خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

نعم حكايات الأطفال

حكايات الأطفال ليست لذيذة للأطفال فقط، ولا لسماعها أو قراءتها فقط. إنها لذيذة أيضًا في سردها للطفل. وهذا ما خبره الكاتب والأديب الإنجليزي الشهير، لويس كارول. فعندما كان قسًا وأستاذًا في جامعة أكسفورد التقى بمحض الصدفة هناك بثلاث صغيرات لم يبلغن العاشرة بعد. استمتع أولاً بصحبتهن، ولكنه راح يروي لهن حكايات غريبة وعجيبة أقرب لدنيا السحر والخرافة. راح يروي للأخت الوسطى، أليس، حكاية أرنب صغير وقع في حفرة. لم يلبث حتى انتقل فيها إلى عالم العفاريت. أعجبت أليس بالحكاية وطربت لها والتمست منه أن يكتبها.
استجاب لطلبها. جلس وكتب الحكاية وبادر لنشرها عام 1865. وظهرت الحكاية في سوق الكتب باسم «أليس في دنيا العجائب». لقيت الحكاية نجاحًا هائلاً وتلاقفتها الأسواق. سرعان ما بادر المخرجون إلى إنتاجها في عالم المسرح والسينما والتلفزيون والباليه.
ولما كان الأستاذ لويس كارول مغرمًا بلعبة الشطرنج فقد سعى لتعليم البنيات الثلاث على هذه اللعبة وراح يلعب معهن الشطرنج. أوحى له ذلك بقصة ثانية عرفت بـ«عبر المرآة». تجري أحداث هذه القصة عبر لعبة الشطرنج، بحيث تتحرك القطع المختلفة بذاتها كما لو كانت هناك قوة سحرية تحركها. كان كارول أستاذًا ملتزمًا ومعلمًا، فأخذ يستغل هذه اللعبة - الحكاية - بحيث تعبر قطع الشطرنج عن سخطها وانتقادها لعالم الصناعة المعاصرة، وما نتج منها من بيروقراطية أخطبوطية في الحكومة وما ارتبط بها من غطرسة. ولكنه حرر كل ذلك بأسلوب خفيف يتسلى به الأطفال. كتب يهاجم بيروقراطية الدولة وإمعية الجمهور وغريزة القطيع:
مد مفتش القطار رأسه وصرخ في الركاب: «تذاكركم»! وبلحظة واحدة أخرج كل منهم بطاقته. كانت التذاكر بحجم أصحابها. واصل المفتش كلامه بنظرة غاضبة نحو أليس: «والآن أريني أنتِ بطاقتك». انطلقت عدة أصوات في نغمة منفردة كما لو كانت في جوقة موسيقية. «أيتها الصبية لا تجعلي المفتش يقف منتظرًا. لماذا تضيعين وقته؟ فوقته يساوي ألف باوند بالدقيقة».
أجابته بصوت خائف: «آسفة ما عندي بطاقة. لم يكن هناك شباك تذاكر حيث كنت»! انفجرت أصوات الجمهور مرة أخرى بشكل جوقة: «لم يكن هناك شباك تذاكر حيث كانت. الأرض هناك تساوي ألف باوند للبوصة».
المفتش: «لا تختلقي الأعذار. كان عليك أن تشتري التذكرة من السائق». عادت جوقة الأصوات تؤنبها: «نعم السائق. لم لا؟ الدخان ينبعث من ماكينته بألف باوند للنفخة الواحدة»!
فكرت أليس: «إذن فلا فائدة من الكلام. أسكت أحسن»، ولم تنطق جوقة الجمهور بشيء، لأن أليس لم تنطق بشيء. ولشدة دهشتها، وجدت أن الجمهور أيضًا قد سكتوا. فكروا مع أنفسهم كما فعلت. فكر كل منهم مع نفسه: «الأفضل ألا يقول الإنسان أي شيء. فالكلام يكلف ألف باوند للكلمة»! وقالت أليس لنفسها: «سأحلم هذه الليلة بألف باوند. أنا أعرف أنني سأحلم بذلك».
كان المفتش ينظر إليها بالمجهر ثم بالمرصاد: «إنك تسافرين بعكس الاتجاه الذي تريدينه».