وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

تصفية حساب... بين خلافتين

أخيرًا، وبعد سنوات من الارتباك والإرباك، عثرت تركيا على بوصلتها في سوريا: الأولوية لدحر «داعش» وإخراجه من سوريا. وإذا ما قدر للرئيس رجب طيب إردوغان تنفيذ وعيده، فإن احتلال القوات التركية لمدينة الباب فتح الطريق أمام زحفها على الرقة، عاصمة «دولة خلافة أبو بكر البغدادي» المزعومة.
قد تكون المفارقة التاريخية على هذا الصعيد أن تقع على عاتق دولة آخر خلافة إسلامية (الإمبراطورية العثمانية) مهمة القضاء على دولة أحدث خلافة إسلامية (داعش) بعد قرن كامل من اتهام الباب العالي العرب «بخيانة» هذه الخلافة في سعيهم للاستقلال عن الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى...
عود على بدء؛ أم عودة للولايات المتحدة إلى الساحة السورية عبر تركيا؟
قد لا تكون مجرد صدفة أن «تنتعش» تركيا، عسكريًا، في سوريا بعد وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض لا قبله، وتحديدًا بعد خروج باراك أوباما منه.
من المبكر، بعد، الحديث عن «وكالة» أميركية مطلقة لتركيا في سوريا على غرار الوكالة التي سبق أن أعطتها لسوريا حافظ الأسد في لبنان في سبعينات القرن الماضي، فدون هذه الوكالة «إشكالات» لا بد من تذليلها؛ في مقدمتها الخلاف العميق بين موقفي الدولتين من الأكراد، وقابلية تركيا للتصدي «للوجود» الإيراني في سوريا بعد أن ساوى الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، بين الإرهاب السني «الداعشي» والإرهاب «الشيعي» الإيراني.
ولكن بين واشنطن وأنقرة محور التقاء رئيسي قد يجعل خلافات الرؤية بينهما مجرد تفاصيل يمكن معالجتها... أي اتفاقهما على إقامة «مناطق آمنة» في سوريا.
تركيا، في نهاية المطاف، شريكة الولايات المتحدة في حلف الأطلسي. وإذا كانت سياسة الانكفاء عن الساحة السورية التي مارسها الرئيس أوباما خلفت «إشكالات» على صعيد علاقاتهما الرسمية، فإن حرص الرئيس ترمب على الانقلاب على قرارات أوباما يعيد هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي.
بالنسبة للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، تعد المنطقة الحدودية الآمنة مطلبًا استراتيجيًا طرحه منذ سنوات لإبعاد العمليات العسكرية عن الأراضي التركية، وإيجاد ملجأ آمن للمدنيين السوريين.
بالنسبة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا تبدو دوافع اهتمامه بالمنطقة الآمنة إنسانية بقدر ما هي سياسية وأمنية؛ أي تطلعه إلى وضع حد للنزوح السوري إلى أوروبا؛ ومنها احتمالات «التسلل» إلى الولايات المتحدة وكندا.
رغم إعلان تركيا استعدادها للعب دور رأس الحربة في محاربة الإرهاب «الداعشي» في سوريا، ورغم ما يبدو من دعم أميركي لهذا الدور، فإنه لا يمكن الحديث بعد عن «وكالة» أميركية لتركيا، فهذه الوكالة ما زالت مرهونة بأكثر من عامل: موقف روسيا من المناطق الآمنة، وموقفها النهائي من «الوجود» الإيراني في ريف حلب، وأخيرًا لا آخرًا؛ الموقف العربي من التسوية السياسية في سوريا.
مفاوضات «جنيف – 4» قد لا تكون الإطار الكافي للتسوية النهائية في سوريا، خصوصًا إذا استوجبت هذه التسوية إعادة نظر في الحدود الجغرافية لخريطة «سايكس – بيكو».
ربما كان هذا الاحتمال وراء ما يتردد في واشنطن عن اتجاه رسمي لعقد صفقة شاملة بين الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين، تشمل الحد من التسلح، ومحاربة الإرهاب الدولي، ووضع شبه جزيرة القرم، والعقوبات الاقتصادية، والعلاقة مع الصين.
«ترحيل» النزاع السوري إلى قمة ترمب – بوتين المقترحة من واشنطن، قد يضمن إعادة صياغة الشرق الأوسط على قواعد أكثر مراعاة للواقع الديموغرافي للمنطقة... إلا أنه لا يبشر بنهاية قريبة للنزاع السوري.