ديفيد اغناتيوس
صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة "واشنطن بوست". كتب ثماني روايات، بما في ذلك "جسد الأكاذيب"
TT

مخاوف من هروب «داعش» تغذي استراتيجية ترمب

عرض مايكل فلين، مستشار الأمن القومي للرئيس ترمب، للزوار خريطة التنبؤات بما سوف يحدث لـ«داعش» بعد سقوط معقله في مدينة الموصل العراقية. ويظهر على الخريطة سهام سوداء مريعة تتجه غربا نحو جبهات القتال المستقبلية في العراق وسوريا وخارجها.
وتلك هي المخاوف التي تحفز الإدارة الأميركية أثناء وضع الخطط الاستراتيجية ضد التنظيم الإرهابي: بدلا من الهزيمة المنكرة للخصم العنيد، يمكن للموصل أن تتحول إلى نقطة البدء في الهروب إلى مناطق أخرى، وربما قد يكون هذا المنطق أحد التبريرات التي استند إليها الرئيس ترمب في قرار حظر السفر المثير للجدل على العراق وست دول أخرى ذات أغلبية من السكان المسلمين، وهو القرار الذي رفضته محكمة الاستئناف الفيدرالية الأميركية.
يقول أحد كبار المسؤولين في إدارة الرئيس ترمب: «مع سقوط الموصل، سوف يبدأ الجميع من عناصر (داعش) في التحرك، وسوف يرتدون إلى مختلف المناطق، ويمكن وقوع الهجمات الانتحارية مرة أخرى في الرمادي»، وهي المدينة العراقية التي تحررت من قبضة التنظيم الإرهابي قبل 14 شهرا.
ولكن كثيرا من الخبراء من خارج الإدارة الأميركية يرون ثغرات في منهج الرئيس ترمب لمكافحة الإرهاب ويشعرون بالقلق من النتائج العكسية لذلك.
ولقد أثار قرار حظر السفر حنق الحكومة العراقية، حتى في الوقت الذي تمكنت قوات النخبة من جيشها من السيطرة على شرق مدينة الموصل. وقال مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات العراقية إن نسبة الإصابات بين صفوف قوات مكافحة الإرهاب العراقية، التي تضطلع بكثير من أعمال القتال العنيف هناك، بلغت نحو 30 في المائة. ونظرا لأن هذه الوحدات العسكرية لا تزال في معرض بناء قدراتها العسكرية، فإن النصر في معركة الموصل لن يتحقق قبل ستة أشهر على أقل تقدير.
ثم هناك معضلة إيران. ولقد وضع السيد فلين إيران «قيد المراقبة» في أعقاب التجارب الصاروخية التي أجريت في 29 يناير (كانون الثاني) الحالي، ثم أعلنت الإدارة الأميركية عن فرض مزيد من العقوبات. وهناك لغز يتعلق بكيفية التعامل مع التحالف الجديد بين روسيا وإيران وتركيا ونظام الرئيس السوري بشار الأسد... فهل سوف تنضم إليهم الولايات المتحدة في القتال المشترك ضد تنظيم داعش؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل سوف يعني ذلك التخلي عن الميليشيات الكردية السورية المعروفة باسم وحدات الحماية الشعبية، التي ظلت الشريك القوي للولايات المتحدة على الأرض ضد التنظيم الإرهابي، ولكنها الوحدات التي ترفضها تركيا بالكلية وتصنفها منظمة إرهابية محظورة؟
وفكرة ترمب عن الشراكة مع الرئيس فلاديمير بوتين تثير كثيرا من المشكلات أيضا؛ حيث يشعر الأعضاء الجمهوريون في الكونغرس بقلق متزايد إزاء التقارب مع موسكو من جانب واشنطن. وقد أقر المسؤول الأميركي الكبير، في البيان شديد اللهجة الذي كتبته السفيرة نيكي هالين سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، بأنه يجب على روسيا الانسحاب من شبه جزيرة القرم قبل إزالة العقوبات الاقتصادية عليها. وموقف البيت الأبيض حيال روسيا موقف يتسم بـ«المعايير العالية والتوقعات العالية»، كما قال المسؤول الأميركي الكبير.
ويخشى بعض المحللين من إعادة تجميع تنظيم داعش لقواته في الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الجديدة إعادة تقييم سياساتها. وقال أحد القادة العسكريين الأميركيين إن «المزامنة والضغط مفتاح التحرك للأمام»، وحث الولايات المتحدة على المحافظة على قوات التحالف العسكري الواسع، بما في ذلك الأكراد السوريون، من أجل المحافظة على الزخم وقوة الدفع المطلوبة.
والنصر في معركة الرقة قد يكون بعد عام كامل من الآن، كما حذر مسؤول الاستخبارات؛ ومن شأن ذلك أن يمنح تنظيم داعش عدة شهور لتخطيط العمليات الإرهابية الخارجية التي يخشاها الجنرال فلين. ومع اعتبار هذه الأخطار، يتكهن بعض المحللين أن ترمب قد يقرر في نهاية المطاف أن يحرر الرقة باستخدام الآلاف من القوات الأميركية من الوحدات المحمولة، مثل الفرقة 82 المحمولة جوا، التي انتشرت قواتها على نحو جزئي في العراق فعليا، وسوف يكون ذلك من قبيل الإظهار الحاسم للقوة، وسوف يدفع بالولايات المتحدة دخولا وخروجا من الصراع على نحو سريع نسبيا، ولكن من المحتمل أن يعني تكبد الولايات المتحدة كثيرا من الخسائر كذلك.
والمفارقة المثيرة للسخرية في هذا الصدد، أنه حال إعلان الرئيس ترمب عن حملته على تنظيم داعش، أصبح تنظيم القاعدة أكثر قوة داخل العراق وسوريا، كما يحذر المحللون من معهد الدراسات الحربية. وهذا القتال ليس من المرجح للشعارات الرنانة والقرارات الرئاسية المندفعة أن تفتح باب النصر فيه بحال.
* خدمة «واشنطن بوست»