د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

الأزمة الليبية وملامح حلحلة

استبدال المبعوث الأممي المنحاز إلى ليبيا مارتن كوبلر قد يكون خطوة أولى نحو حلحلة الأزمة الليبية، ولكن يبقى هذا رهن مساحة الحرية المسموح بها للمبعوث الجديد للتحرك فيها بشكل تكنوقراطي، وإن كانت بعض الأطراف بدأت التخوف من المرشح الجديد (سلام فياض)، بعد حالة من العبث المتكرر والتعاطي مع الأزمة من خلال منظور أحادي منحاز واختزال الأزمة في «وثيقة الصخيرات»، التي لم تنل أي توافق وطني أو حتى أي توافق بين القوى المسيطرة على الأرض، حتى يضمن لها استدامة أو حتى استمرارية، رغم جرعات الإنعاش التي قدمها المنتفعون من اتفاق الصخيرات من الأطراف الدولية، وإن أصبح الآن فتح اتفاق الصخيرات للتعديل، يأتي لضمان حالة إنعاش جديدة له من خلال شبه توافق على التعديلات، التي ستطال تركيبة المجلس الرئاسي.
استبدال كوبلر، هذه الخطوة من الأمين العام للأمم المتحدة الفردية الجانب دون التشاور مع البرلمان الليبي حول الشخصية الجديدة، جاء مصحوبًا بحزمة من التطورات، بعضها طفح على السطح في تصريحات الغزل السياسي التي يطلقها من حين لآخر أعضاء مجلس «حكومة الوفاق»، بدءًا من السراج، ومرورًا بمعيتيق، أحد نواب المجلس الرئاسي غير الدستوري، والتي يقابلها صمت من الجانب الآخر ومحاولات عرابي الإسلام السياسي وجماعة «الإخوان» إظهار الأمر على أنه حالة فرضتها معطيات وتقاطع مصالح ومنافع دولية فقط، متناسين أن الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر هو من قلب المعادلة وصحح مسار البوصلة بعد الانتصارات الكبيرة على أوكار الإرهاب، وبخاصة في الموقف البريطاني الداعم للميليشيات وتوطين الفوضى في ليبيا؛ بدءًا من تغذية حالة الصراع الدائر بين الأحزاب حديثة الولادة والعهد بالسياسة، والتكتلات المفتقرة إلى قاعدة شعبية حقيقية وصحيحة داعمة لها في ليبيا، وبخاصة جماعات الإسلام السياسي، ومحاولات إقصاء البرلمان الشرعي والمنتخب، ومحاصرة الجيش الليبي ومنعه من التسلح وهو في حالة حرب على الإرهاب. واكتفت بريطانيا ببضع تغريدات يطلقها من حين لآخر سفيرها المتجول بيتر ميلت اكتفت بـ«الشعور بالصدمة» و«القلق» من جرائم إرهابية لم تسعَ بريطانيا لمكافحتها أو تجفيف منابعها، أو حتى التهديد بملاحقة أو محاكمة قادتها.
حالة الغزل مستمرة؛ وإن كانت حتى الآن من طرف واحد، شعر بقرب نهايته وفشله، بل أقرت الأطراف الدولية المنتفعة منه والداعمة له باستقبال السراج بصفته رئيس حكومة، في حين هو لا يزال غير شرعي وغير دستوري ولم ينل ثقة البرلمان، ويعد مغتصبًا للسلطة.
استشعار الأطراف الدولية فشل السراج ومجلسه في السيطرة أو حتى حلحلة أي أزمة من الأزمات الخدمية؛ من ندرة رغيف الخبز، وشح الوقود وغاز الطهي، إلى شح العملة المحلية وانهيارها أمام الدولار بشكل مريع، رغم ضخ مصرف ليبيا المركزي المليارات لحكومة السراج غير الدستورية، بل كان أزمة في ذاته وطرفًا معرقلاً، فقد تكون صحوة المجتمع الدولي وتضرر مصالحه؛ بل حتى أمنه القومي، لكون ليبيا تتوسط البحر المتوسط وتعد بوابة للهجرة نحو أوروبا، هو ما دفع هذه الأطراف للتخلي عن التعنت بفرض «كرزاي ليبي» يوقنون باستحالة استطاعته التقدم قيد أنملة في ظل واقع متعسر ومعقد.
الأطراف الإقليمية، ضمن مبادرة ثلاثية جزائرية – مصرية - تونسية، تسعى لحلحلة الأزمة وفق تفاهمات لا يمكن تجاهل أمنها الحدودي بصفته أحد بنودها، هي الأخرى بدأت تملّ من الجمود في الحالة الليبية، مما جعلها تمارس الضغط على الأطراف الليبية، وإن حاولت المبادرة ضم بعض أطراف «الجماعة الليبية المقاتلة»؛ الفرع الليبي لتنظيم القاعدة، وإعادة تدويرها في المشهد السياسي تحت عباءة أطراف «معتدلة».
رغم أن الحضور الحزبي في ليبيا، الذي ركز عليه اتفاق الصخيرات، في أغلبه لا يزال يعتريه التخبط، والافتقار للرؤية الواضحة والمشروع الناضج والاستقلالية التامة، مما جعله يقع ضمن مشهدية ضبابية يسودها القلق والخوف عند المواطن العادي من الانخراط فيها، فإن المواطن لا يزال يتلمس طريقه في تشكيل توجهه السياسي ضمن أي إطار وطني عام أو آيديولوجي أو حتى نفعي، ضمن تكتل حزبي لم يجربه ولم يخبره كثيرًا.
قد يثق المواطن في شيخ القبيلة أو عميد العائلة، أو حتى عميد الشارع، أكثر من ثقته في زعيم حزبي يجهل كثيرًا عنه وهبط عليه بمظلة «مرشحك المفضل والأفضل»، صاحب مصباح علاء الدين لتحقيق الأحلام الزائفة، فالكيانات الحزبية في أغلبها استبدادية الفكر، ناتجة عن فرض سطوتها على الدولة من خلال الاستحواذ على السلطة، وهذا قد يترجم ضمن مفهوم الصراع: «عندما يوجد فرد يسود السلام، وعند وجود اثنين ينشأ الصراع، وعند وجود أكثر تبدأ التحالفات...». هذه حكمة قديمة تطرح مفهومًا واضحًا للعبة سياسة الأحزاب.