نوح سميث
كاتب في «بلومبيرغ»
TT

كيف لخبراء الاقتصاد الحفاظ على دورهم في ظل ترامب؟

يلزم خبراء الاقتصاد البحث عن سبل مختلفة بعض الشيء للتعامل مع الأمور إذا راموا الحفاظ على دورهم وأهمية وجودهم في عهد دونالد ترامب؛ حيث تزداد أهمية الأبحاث الاقتصادية. وبعض من التواضع لن يضر بأحد، وعليهم البحث عن أماكن أخرى غير الحكومة الفيدرالية لاختبار أفكارهم وطروحاتهم الجديدة.
هذا ما خرجت به من المؤتمر السنوي لرابطة الاقتصاد الأميركي المنعقد الأسبوع الماضي، حيث استمعت لمجموعة من خبراء الاقتصاد، حائزي جائزة نوبل في مجالاتهم، حول «إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي؟»، وكان إجماع الآراء متفقًا على أن سياسات الرئيس المنتخب دونالد ترامب قد تدفع باقتصاد الولايات المتحدة إلى حافة الخطر.
يقول الخبير الاقتصادي جوزيف ستيغليتز: «هناك اتفاق موسع بين الآراء على أن نوعية السياسات التي اقترحها الرئيس المنتخب هي من بين جملة السياسات التي لن تفيد أو تعود بنتائج جيدة»، موجزًا القول حول آراء المجلس الذي ضم آراء إدموند فيلبس بروفسور الاقتصاد من جامعة كولومبيا، وروبرت شيلر بروفسور الاقتصاد من جامعة ييل.
أتوقع أن تكون سياسات ترامب مفعمة بكثير من العشوائية وسوف تعكس نفسها في مسار التنفيذ في كثير من الأحيان، ولكن كوكبة خبراء الاقتصاد الكبار الذين يجلسون على الطاولة نفسها ويطرحون الآراء والأفكار نفسها تعود بنا إلى نقطة شديدة الإيلام، وهي حالة العجز المتزايد لدى مثل هؤلاء الخبراء البارزين في التأثير في أرض الواقع إبان عهد ترامب.
يدور كثير من هذا المجال حول حكم التكنوقراط؛ حيث يجري خبراء الاقتصاد الأبحاث للوقوف على الكيفية التي يسير بها العالم، ثم يوصون بهذه السياسات إلى أرباب السياسة والبيروقراطيين، إما بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة من خلال المراكز البحثية والكتّاب في مجال الاقتصاد، ثم يعمل القادة - أي الرئيس، والكونغرس، وبنك الاحتياطي الفيدرالي - على تنفيذ هذه السياسات بأفضل السبل الممكنة لديهم.
وما فائدة علم السياسة على الإطلاق عندما لا يستمع صناع السياسات للعلم والعلماء؟ فالقلة القليلة من المستشارين الاقتصاديين الأكاديميين لدى ترامب - على غرار بيتر نافارو بروفسور الاقتصاد من جامعة كاليفورنيا فرع إيرفين - هم، على أدنى وصف لطيف لهم، من غير التقليديين.
وحتى إن ضم خبراء الاقتصاد إلى فريقه الرئاسي، فإن دونالد ترامب لا يميل للاستماع إليهم. ولقد اختار نافارو بسبب أن أفكاره حول التجارة - وهي بالأساس تدور حول أن الصين تعبث باقتصاد الولايات المتحدة - تتسق على نحو وثيق مع ما يعتقده ترامب بالفعل. وحتى إذا ما تحول موقف نافارو في صباح الغد وأبلغ ترامب بضرورة إعادة النظر في موقفه حيال الصين، فمن غير المرجح أن يستمع ترامب لنصيحته، أو إذا ما فعل، فمن المؤكد أنه سوف يغير رأيه مجددًا في اليوم التالي؛ فهناك سمعة معروفة عن الرئيس الأميركي المنتخب أنه يستمع لآخر شخص يود الحديث معه عن أي شيء.
غير أن القضية الحقيقية أعمق بكثير من مجرد السمات الشخصية لرجل بمفرده؛ فأحد الدروس المستفادة من انتخاب دونالد ترامب أن حكومة التكنوقراط - وفكرة أن القادة الحكماء من أهل الخبرة ينبغي أن يقودوا دفة السياسات لصالح الجميع - ليست من الأفكار المفضلة للرئيس الجديد، ربما لا يزال خبراء الاقتصاد هم أفضل من في النخبة الحاكمة الأميركية والبريطانية، ولكن هذه النخبة قد جرى تهميش دورها الفاعل في الحياة السياسية لصالح الموجة الشعبوية العارمة.
التجارة الحرة، ورغم أنها ليست القضية الأولى بالأهمية التي تواجه البلاد، فإنها من المعارك الاقتصادية الرمزية بشكل كبير، والنخبة الحاكمة، التي تتأيد بالأغلبية الكبيرة من أصحاب المهنة الاقتصادية، اعتبروا مكاسب وفضائل التجارة الحرة أمرًا مسلمًا به ولا نزاع عليه، ولقد اختلف السواد الأعظم من الجمهور مع إجماع خبراء الاقتصاد حول هذه المسألة. ودفع الانتصار الأخير للشعبويين بكثير من خبراء الاقتصاد إلى استخبار الأمر وما إذا كان الجمهور سوف يصغي السمع إليهم مرة أخرى في حياتهم. وكان لصحيفة «وول ستريت جورنال» اقتباس معتبر حول هذه المسألة، يقول ستيفن ديفيس، خبير الاقتصاد في جامعة شيكاغو: «فعلت النخبة الاقتصادية الشيء الكثير لتقويض مصداقيتهم في حين أن ثروات الناس الاقتصادية كانت تتخذ أسوأ منعطفاتها قاطبة». ولكن خريطة الطريق لاستعادة الثقة باتت بعيدة المنال، إذ أردف ديفيس مضيفا: «اعتدت الاعتقاد أن الحقائق والتحليلات سوف تعلو بزخم الأحداث في نهاية المطاف، ولكنني لست على اليقين نفسه الآن».
ولذا، حري بكثير من خبراء الاقتصاد أن يطرحوا السؤال التالي على أنفسهم: إن لم يكن أحد من أرباب السياسة مستمعًا، فما الفائدة المرجوة من إجراء الأبحاث؟ إنه كمثل إجراء الأبحاث الطبية في عالم بلا أطباء أو مستشفيات. وصار الكتّاب الاقتصاديين، مثلي، يتساءلون عن أهمية ما يصنعون. هل هناك فائدة من الإدلاء بدلونا في المناظرات والمناقشات الاقتصادية، أو نقل الأفكار البحثية الجديرة بالطرح والمناقشة على الجماهير، وبخاصة أنها، كما نعلم، لن تغير من الواقع والحقيقة في شيء؟
هناك إجابة واحدة، وهي مواصلة العمل من دون توقف، والاستمرار في إجراء الأبحاث الجيدة والكتابة عنها، على أمل في أنه ذات يوم سوف يتغير النظام، وسوف تعود الولايات المتحدة إلى الاستماع إلى الخبراء، ولكنني أعتقد أن هناك كثيرا مما يمكن فعله.
أولا، ينبغي على خبراء الاقتصاد التفكير حول الاقتصاد السياسي، أي الأفكار التي يمكن تنفيذها، وأيها عصي على التنفيذ، كيف يؤثر إجماع آراء الخبراء على السياسة؟ ومن النقاط ذات الصلة يكمن مزيد من التفكير حول التوزيع، ففي العالم الحقيقي يهتم الناس كثيرًا بكيفية توزيع الكعكة الاقتصادية.
ثانيا، يمكن لخبراء الاقتصاد تصور أنهم على خطأ، وتظهر الأبحاث الحالية أن تكاليف التوزيع في التجارة - من يربح ومن يخسر - هي أكثر دراماتيكية من الأرباح الإجمالية، لماذا لم يلاحظ أحد هذا الأمر في عام 2001 عندما انضمت الصين إلى منظمة التجارة العالمية؟ لماذا لم يولِ خبراء الاقتصاد الكلي اهتمامًا للتمويل قبل أزمة عام 2008 الكبرى؟ لماذا يؤيد كثير من خبراء الاقتصاد المالي تحرير هذه الصناعة؟ وبدلاً من طرح مزيد من النماذج، ينبغي على خبراء الاقتصاد منح مزيد من الاهتمام لكيفية تخير النظام كله للنماذج التي يتبناها.
وثالثًا، ينبغي على خبراء الاقتصاد النظر لما وراء الحكومة الفيدرالية؛ حيث الولايات والمدن تختبر على الدوام سياسات كثيرة كمثل الحد الأدنى للأجور، والتخفيضات الضريبية، وإعانات البطالة، وغير ذلك من الإصلاحات، وهناك كثير من اللوائح المهمة على مستوى الولايات، كمثل السياسات الصناعية تماما. وعن طريق تحويل الانتباه إلى الولايات والحكومات المحلية داخل الولايات المتحدة، فإن خبراء الاقتصاد المعنيين بدراسة القضايا السياسية يمكنهم ضمان استمرار دورهم الذي يلعبونه وأهميتهم في أرض الواقع عبر فصل الشتاء الحالي الطويل من عهد حكم ترامب الشعبوي.

* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»