مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

يوم قتل السفير الروسي

قتل السفير الروسي في تركيا، على يد عنصر شرطة تركي، غاضب، أمام الشاشات، يكشف عن خطورة الأزمة السورية على أشياء كثيرة في العالم.
لا شك أن قتل السفراء وأعضاء البعثات الدبلوماسية، أو خطفهم، جريمة مركبة وسوابق خطيرة، فأعراف العالم القديم صنفت قتل السفراء ضمن الجرائم «الخسيسة» فعلا، كما وصف قتلَ السفير الروسي في أنقرة وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون.
ففي 14 ديسمبر (كانون الأول) 1973، أقرت الأمم المتحدة اتفاقية حماية البعثات الدبلوماسية في العالم. وهذه الاتفاقية هي تتويج أصلاً لما كان يعرف عبر القرون من تراكم الخبرات السياسية والبروتوكولية.
في الإسلام نفسه نهي صريح عن قتل السفراء، وحملة الرسائل السياسية، مهما كان مرسلوهم ومهما كانت رسائلهم.
يذكر المحدث السخاوي، في كتابه «المقاصد الحسنة» هذا الحديث النبوي في مسند الإمام أحمد، وهو: «الرسول لا يُقْتَلُ»، وفي تفاصيله عن سلمة بن نُعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيه، سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول لرسولي مسيلمة: «لولا أن الرسول لا يقتل لضربت أعناقكما».
معلوم من هو مسيلمة وعداوته للدولة المسلمة في المدينة، ومع ذلك كرّست القيم الإسلامية هذا العرف الثابت.
إذن فلا ريب أن اغتيال السفير الروسي بهذه الطريقة المفاجئة في صالة عرض فني، من قبل شخص يفترض به تمثيل سيادة الدولة وتنفيذ القانون، يعتبر جريمة واضحة.
وبعد، فإن الاغتيالات السياسية التي من هذا النوع وبهذا السفور، متوقعة في ظل توتر الأمن والتهاب المشاعر الدينية والإنسانية على وقع الكارثة السورية، التي تجسدت في محرقة حلب الكبرى.
الروس دخلوا بقوة، وبغشامة، في المعمعة السورية، في ظل تفاهة الحضور الأميركي الأوبامي، هل نقول تآمر! وبظل الهيجان الخميني.
من منظور الروس هم يحمون أمنهم القومي عبر منع سقوط نظام بشار، وتحول سوريا لقبضة الجماعات الإسلامية المعادية، وأيضا التغلغل من جديد بالشرق الأوسط بعد حقب من الهيمنة الأميركية، وأخيرًا الوصول لشواطئ المتوسط الحيوية.
هذا كان تقديرهم، ونضيف له نوازع قومية دينية أرثوذكسية بالخفاء، تستحضر التاريخ الروسي القيصري والحروب الدينية، لنتذكر أن حرب القرم الشهيرة بين القياصرة الروس، دولة «المسكوف» كما كان يسميها الأسلاف، وبين الدولة العثمانية، كانت في جانب منها على الحقوق المسيحية بالأرض المقدسة، فلسطين.
دخول الروس بهذه الطريقة، بطبيعته مستفز لكل المشاعر العميقة، والسحيقة، لذلك نتوقع اللامتوقع، مثل الاغتيال العلني للسفير الروسي.
فتنة سوريا، في بدايتها، للأسف.