محمد الرميحي
أستاذ الاجتماع السياسي في جامعة الكويت. مؤلف عدد من الكتب حول مجتمعات الخليج والثقافة العربية. رئيس تحرير مجلة «العربي» سابقاً، ومستشار كتب «سلسلة عالم المعرفة». شغل منصب الأمين العام لـ«المجلس الوطني للثقافة» في الكويت، وعضو عدد من اللجان الاستشارية في دولة الكويت. مساهم بنشر مقالات ودراسات في عدد من الصحف والمجلات المختصة والمحكمة.
TT

قراءة في وثيقة الإصلاح الكويتية

قراءة وثيقة الإصلاح الكويتية التي صدرت من ائتلاف المعارضة الأسبوع الماضي بعد طول ترقب، تستدعي أن تقرأ قراءة نقدية، وما أمكن موضوعية، فهي تشير في معناها العام إلى مجموعة من الرغبات السياسية التي قد يتفق عليها كثيرون بعد طول ممارسة وتعثر. إلا أن هناك مستويات مختلفة يمكن مناقشة تلك الوثيقة على ضوئها. ولدي ثلاثة مستويات منهجية أريد أن أخضع تلك الوثيقة لها، لعلنا بذلك نقترب من التعرف على الحراك السياسي في الكويت.
أولا: من حيث الشكل، فالوثيقة، خاصة في ديباجتها الأولى على أقل تقدير، مرتبكة، وربما جاء هذا الارتباك نتيجة إما أن الصياغة خضعت لأكثر من رؤية، أو رأي، أو قلم، أو كونها أصلا نابعة من ائتلاف، وهو يعني محاولة إرضاء الجميع بوضع فقرات بجانب بعضها قل الانسجام بينها، فوقعت في ذلك الارتباك اللافت من حيث الصياغة.
تتحدث الوثيقة في صدر مقدمتها عن تاريخ المسلمين وتجربتهم السياسية بشكل مبتسر وانتقائي، مما جعل من أحد الكتاب المحليين إلى القول حول هذه النقطة، بأنها تصلح مقدمة لخطبة جمعة، بدلا من كونها مقدمة لوثيقة سياسية حديثة، ومع ذلك فإن أحد الأطراف المهمة في هذا الائتلاف (حدس - إخوان مسلمون) تحفظ عليها بسبب كونها قد أخفقت في تضمين مادة (تجعل القرارات طبقا للشريعة) وربما المقصود هنا القوانين، في الوقت الذي اعترضت فيه مجموعة سياسية أخرى (التجمع التقدمي) على الوثيقة، لأنها (تتحفظ على استخدام الدين لأغراض سياسية، وفشل الوثيقة في النص الصريح على الطابع المدني للدولة) في الوقت الذي تتحدث فيه الوثيقة في مكان آخر عن (حرية الاعتقاد)! إلا أن الاثنين المعترضين يؤيدان الوثيقة بشكل عام كما أعلنا.
في الشكل أيضا تنتقد الوثيقة المسيرة الديمقراطية الكويتية لخمسين عاما أو أكثر بقسوة، على أنها منبع كل الشرور التي حاقت بالمجتمع، والمعنى المبتغى كما أرى هو نقد (الممارسة الديمقراطية) وهي ممارسة شارك فيها الكثير من الموقعين للوثيقة ولفترات زمنية ليست قصيرة. وفي الإشارة إلى مقدمات وآثار الاحتلال العراقي للكويت تقول الوثيقة {نحن اليوم لن ننتظر أن يسقط النظام حتى تحترم الحكومة الدستور}، وهي عبارة لافتة جدا؛ ففي حال سقوط النظام هل تبقى الحكومة!! كما أن هناك إشارة تشي أن كاتب الوثيقة في تلك الجزئية نسي عما يتحدث عنه، فكتب (وراثة العرش) ولأول مرة أسمع كلمة (عرش) في سياق النظام السياسي الكويتي، فهناك في الدستور الكويتي مصطلح (الإمارة) هذه أجزاء من الارتباك في النص.
ثانيا: تعترف وثيقة ائتلاف المعارضة، وهو ائتلاف مكون من جماعات سياسية وأيضا من أفراد نشطاء، تعترف أن الأغلبية في مجلس 2012 (رغم اختلاف الرؤى السياسية بينهم واتساع بون الخلاف الفكري في صفوفهم فإنهم حاولوا طرح الأولويات) ولم يقل البيان إذا كانت محاولتهم تلك قد نجحت أم فشلت، كما أن (اتساع بون الخلاف) هو الذي أوصل الناخب الكويتي المجرد من المصالح الخاصة من استهجان الممارسة إلى حد مقاطعة أي انتخابات تعبيرا عن الإحباط وتدني النتائج المرجوة. وتذهب وثيقة الإصلاح إلى سرد مطول للمثالب السياسية والخدمية فتقول {كما لا تزال في الدولة جامعة حكومية واحدة، تفتقد إلى حرم جامعي، وتواجه تراكما طلابيا كبيرا} وهي حقيقة، إلا أن الحقيقة المقابلة ظهرت في دراسة قام بها ناشطون أكاديميون حول موقف أعضاء مجلس الأمة المتعاقبين تجاه التعليم، ووجدت الدراسة أن معظم المطالب في السنوات السابقة التي اهتم بها ممثلو الأمة تتركز – في المجال التعليمي – حول منع التعليم المشترك، ورفع مرتبات المدرسين، بل في بعضها الاحتجاج على حركة تنقلات للمدرسين (من أجل الحصول على الأصوات)، أما الاهتمام بجودة التعليم وترقيته، وكفاءته الداخلية والخارجية أو مستوى البحث العلمي أو غيرها من موضوعات التعليم النوعية، فلم تكن ذات أولوية قط، وقد أكدت الوثيقة هذا المسار تقريبا، حيث تركز الحديث فيها عن الكم، لا نوع رأس المال البشري ولا كفاءته الذي تحتاجه البلاد بشدة! ثم تحدثت الوثيقة عن (الفساد الإداري) و(الرشوة) المتفشية والواسطة في الخدمات، وكل ذلك مما يشتكي منه المواطن في الكويت، ولكن الوثيقة قصرت عن التصريح أو حتى التلميح بمساهمة البعض في السابق واللاحق من أعضاء البرلمانات المتلاحقة على توسيع قنوات (الفساد الإدارية) عن طريق محاولة تنفيع ناخبيهم أو مفاتيحهم الانتخابية أو حتى أقاربهم غير المؤهلين والدفع بهم في عروق ومفاصل إدارة الدولة من خلال تخويف بعض الوزراء وتهديدهم، فأصبح أمر الإدارة في الكويت في مستوى متدنٍ، من طرف ضعف في الاختيار من جانب الدولة، ومن طرف آخر دفع بعناصر غير مؤهلة من جانب الأعضاء، وبالتالي تدنت الخدمات، ولم تتم الإشارة إلى مسؤولية تلك الأطراف حتى يمكن للشارع الكويتي الاقتناع بأن الأمور هذه المرة جادة في البحث عن الإصلاح. الكويت صغيرة، والممارسات الخاطئة معروفة، وقد كبدت الكويت الكثير من الخسائر بسبب المواقف السياسية المتعجلة أو الشخصانية، الحقيقة التي يجب أن تعرف أن ممارسة النائب على الإدارة الحكومية من أجل تمرير أو تعيين، أو التخلص من كفاءات هي تشكل اليوم في الكويت كما كانت دائما الطبيعة الثانية للأشياء، جزء منها ضعف في الأداء الحكومي والآخر ضغط غير مبرر من أعضاء في السلطة التشريعية، ودون الاعتراف بذلك لا تستقيم الأمور.
ثالثا: صلب المطالب الإصلاحية، وهي التي تكون لب الوثيقة، هنا نجد أن الصياغة أكثر دقة وأوضح في الهدف، وهو الوصول إلى حكومة برلمانية، وحتى يتحقق الأمر فلا بد من خطوتين؛ الأولى تعديل الدستور القائم، والثانية إنشاء أحزاب سياسية منضبطة وتخضع لقانون حديث، وهي في العموم مطالب لا يختلف عليها كثيرون من الراغبين في الإصلاح الحقيقي، إلا أن بعض النقد واجب هنا، فقد كان مطلب إعادة النظر في الدستور قد ظهر لدى عدد من المتابعين منذ زمن، إلا أن بعض الموقعين على الوثيقة في السابق رفعوا شعار (كان يناسبهم في ذلك الوقت) يقول {إلا الدستور} أي لا تمسوا الدستور، واتهموا من يريد تطوير الدستور بأنه يرغب في هدم العمل السياسي برمته، طبعا الناس تغير أفكارها وهذا طبيعي، إلا أن الأفضل أن تتحدث الوثيقة بنقد ذاتي حول المواقف السابقة، كان ذلك يضيف إلى المصداقية ويقنع المواطن بجدية المطالب.
تشكل وثيقة الإصلاح السياسي في الكويت نقلة نوعية في المطالبات بالإصلاح، إن قرأناها على الورق، إلا أن الفكرة القديمة الجديدة التي تقول: إن الديمقراطية الحقيقية تحتاج إلى ديمقراطيين ما زالت قائمة، وإن الديمقراطية ثقافة قبل أن تكون نصوصا، وبالتالي فإن ملاحظتين تبرزان هنا، الأولى تحفظ البعض على الوثيقة من الداخل، يعني عدم قبول الأقلية برأي الأكثرية، وهو أمر يناقض الفكرة الديمقراطية، والملاحظة الثانية أن رفض أي نقد للوثيقة واعتبارها شاملة كاملة، لا يستقيم أيضا مع الممارسة الديمقراطية المرجوة. يغيب عن شاشة الوثيقة عدد من الموضوعات منها موضوع الجندر، فلا حديث عن حقوق المرأة المواطنة، ولا شخصية نسائية واحدة قد وقعت على الوثيقة، كما يغيب عن الوثيقة الحديث عن التركيبة السكانية، والأهم غياب الحديث عن أهمية الثقافة والنشاط الفني الذي عرفت الكويت به. ذلك عدد من الاهتمامات تجاوزتها وثيقة الإصلاح المعروضة. ويبقى الأمر رهن الأيام القادمة لأن السؤال الأكبر: تلك مطالب الإصلاح ولكن كيف يمكن تحقيقها؟

آخر الكلام:
اشتكت روسيا إلى مجلس الأمن على الحكومة الأوكرانية متهمة إياها (بالتخطيط لحرب ضد شعبها) وروسيا تساند بالفعل نظام بشار الأسد الذي يقوم بالفعل بحرب ضد شعبه.. إنها ازدواجية في أبشع أشكالها!