محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

نظرية الرجل العظيم

من أشهر النظريات في القيادة، نظرية الرجل العظيم. وهذه النظريات تفترض أن القائد يولد بصفات عظيمة تؤهله لقيادة فذة. ومن هؤلاء مثلاً المهاتما غاندي وأبراهام لينكولن وغيرهما.
وركزت هذه النظرية على تحديد صفات القائد الفطرية، فدرستهم في شتى المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية. ومن أبرز الباحثين ستوغدل الذي درس نحو 278 دراسة تعمقت في صفات القادة بين عام 1904 وعام 1970. فتوصل إلى أن القادة يختلفون عن المرؤوسين في مجموعة سمات هي: الذكاء، والمبادرة، والمثابرة، والثقة بالنفس، والمسؤولية، واليقظة، والبصيرة، والحس الاجتماعي.
غير أن النظريات الحديثة لا تتماشى مع نظرية الرجل العظيم، فالقيادة أصبحت فنًا يمكن تدريب الناس عليه، وصقل مواهبهم وليست مقصورة بالضرورة على الصفات الفطرية. وأذكر أنني شاركت، ذات مرة، في برنامج موسع لتدريب كبار القياديين في جامعة هارفارد، ومثله يقدم من قبل كبريات الجامعات في العالم. وهذا لا يعني أن أي فرد يمكن أن يصبح قائدًا عظيمًا، فهناك أناس لا يستطيعون تحمل عبء المسؤولية، وتثقل كاهلهم شدة وطأة اتخاذ القرار وتبعاتها، وهناك من يتهرب منها أصلاً فكيف يمكن أن يقود سفينتنا إلى بر الأمان؟! ومهما حاولت المؤسسات تدريبهم فسوف تبقى هناك معضلة ضعف القدرات.
وهذا لا يعني ألا نمنح الناس فرصة كافية، وأكرر «كافية» لإدارة فريق عمل ثم رفع المسؤوليات تدريجيًا وتقبل الأخطاء في البداية حتى يشتد عود الفرد، على أن يتضمن ذلك حسن توجيهه، وتدريبه في أفضل الدورات. فواقع الحال يشهد بأن هناك ثلة ممن حولنا لم يكن يخطر على بالنا أن يصبح هذا الزميل المغمور في المدرسة أو إدارة ما قائدًا عظيمًا يشار إليه بالبنان.
لا تحزن حينما يتندر عليك أصدقاؤك عند توليك منصبًا قياديًا رفيعًا لأنهم سرعان ما سيحترمونك فور رؤيتهم لقدراتك وإنجازاتك. والسبب أنك مُنحت فرصة لتقديم ما لديك. ولذا، فإن القائد العظيم فعلاً هو من يمنح فرصة المنصب لأكبر عدد ممكن ممن يتوسم فيهم خير خصال القيادة. هذا هو القائد الذي تحترمه وليس من شغله الشاغل حماية كرسيه الذي يدرك جيدًا أنه أكبر من حجمه وقدراته.
وفي حياة كل منا قائد عظيم أحدث تأثيرًا ملحوظًا في حياته أو مؤسسته أو شعبه. وهذا القائد هو الملهم صاحب الرؤية الثاقبة الذي أدرك كيف يمكن أن يضع الشخص المناسب في المكان المناسب. وهذا ما يدفع البعض للبقاء في مؤسسة براتب زهيد بسبب حرصهم على أن ينهلوا من علم ذلك القائد العظيم وصفاته.
إذا كان وراء كل رجل عظيم امرأة فإن وراء كل فريق عمل مميز قائدًا يشار إليه بالبنان. ولولا هؤلاء القادة لما عبرت الدول والمؤسسات أكبر معضلاتها بأقل الخسائر بفضل حنكة القائد وحكمة من بوأه هذا المنصب الرفيع. نحن نتذكر القادة وننسى ذلك القائد العظيم الذي مَلّكَهم زمام الأمور فَعَلا شأنهم بين الناس.