خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

عدو عدوي صديقي

هذا الكتاب «رجال القاعدة في إيران – الملاذ الآمن والتحالف المشبوه»، كتاب طريف وغني بالمعلومات، ويثير في النفس التأمل والتفكير، رغم اقتضابه. قام بكتابته الزميلان الباحثان هاني نسيرة ومحمد الشافعي، وبتقديم غني من سلمان الدوسري، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط». ويشكل الكتاب حلقة جديدة من سلسلة منشورات مؤسسة «الشرق الأوسط».
يثير العنوان التروي والتمحيص في نفس القارئ. فلأول وهلة تلوح للقارئ غرابة وشذوذ في هذا الموضوع، فالمفروض في التطرف الطائفي والمذهبي لكلا الطرفين أن يستبعدهما هذا التطرف عن أي لقاء وتعاون. بيد أن التقاء الأضداد كثيرًا ما يحدث. نجده في الفلسفة الهيغلية في تلاحم الطريحة (الثيسس) مع النقيضة (الأنتي ثيسس)، وله أمثلة كثيرة على الصعيد العملي التاريخي. هكذا تحالف الغرب الديمقراطي مع السوفيات الشيوعي ضد النازية.
يعتمد هذا الكتاب في طرحه على وثائق المخابرات الأميركية، فيما يعرف بوثائق «أبوت آباد» التي عثروا عليها في منزل أسامة بن لادن، ونشروها على دفعات، وكذلك على وقائع المحاكم الأميركية في تعاملها مع الإرهاب الإسلاموي وما كشفته منها. نجد من ذلك أن إيران قد خدمت «القاعدة» على أصعدة مختلفة، منها توفير ملاذ آمن لرجال «القاعدة» بلغ عددهم نحو ثمانمائة شخص مع عوائلهم، بمن فيهم أسرة أسامة بن لادن. ومن الطريف هنا أن نلاحظ كيف ائتمن بن لادن على أسرته، أبنائه وبناته وزوجاته، في إيران، بدلاً من أي دولة سنية كتركيا مثلاً.
من ضروب هذا التعاون أيضًا تدريب محاربي «القاعدة». ذكرت وثائق محاكمات نيويورك أن اجتماعًا تنسيقيًا قد جرى بين قادة «القاعدة» وقادة الحرس الثوري (الإيراني) في السودان عام 1993، لأغراض التعاون المشترك. تمخض عن ذلك ترتيب تدريب لعناصر «القاعدة» في إيران. وبلغ عدد من تلقوا التدريب في معسكر خراسان نحو 1500 مقاتل. ورغم تردد أنباء ذلك في الصحافة، فإن المسؤولين في طهران لم ينفوا أو يردوا على النبأ. ورغم مطالبة الولايات المتحدة بتزويدها بأسماء رجال «القاعدة» الموجودين في إيران، فإنهم لم يحصلوا على أي جواب من المسؤولين في طهران.
ولا شك أن من أهم أشكال هذا التعاون المشترك توفير ممر لانتقال رجال «القاعدة» بين أفغانستان والشرق عمومًا إلى الديار الأوروبية، بما أطلق عليه اسم «خط الجرذان». يقول الكتاب إن من أهم من استخدموا هذا الخط كان أسامة بن لادن نفسه، وسيف العدل، وأبو مصعب الزرقاوي.
نستطيع أن نفهم كل أوجه التعاون هذا، فكثير من أغراض الطرفين متشابهة، وعلى رأس ذلك تجديد الحروب الصليبية ضد الغرب، وهو ما أدركه حسن الترابي الذي سعى بحماس لبناء جسور بين تنظيم «القاعدة» والنظام الإيراني. كان الدكتور الترابي يرمي إلى إزالة الخلافات الطائفية بين السنة والشيعة، وبالتالي العمل في جبهة إسلامية متحدة من سنة وشيعة لغرض محاربة القوى الغربية واستهداف مصالحها وأعوانها في المنطقة العربية والإسلامية.