حين كان عمره 23 عاماً، اقتحم دونالد ترمب مكتب ديفيد بلاك أحد منتجي عروض برودوي في نيويورك بدون موعد مقابلة. ورغم صلافة التصرف، وافق المنتج على انتاج عرض اعتبر حينها أسرع عرض فاشل، فلم يستطع تحقيق أي صيت أو مبيعات في شباك التذاكر. الرئيس الأميركي الذي سيبدأ مهامه رسمياً في يناير (كانون الثاني) المقبل، شخصية مثيرة للجدل، وصاحب تصريحات صاخبة قالها عن المرأة والمسلمين والمهاجرين والأميركان من أصول أفريقية ومكسيكية، أي أنه استفز الجميع عدا عائلته تقريباً، وبهذه التصريحات، استطاع توفير مئات الملايين من الدولارات أثناء بداية حملته الانتخابية.
هل ترمب ضد المسلمين؟ هل هو ضد المهاجرين؟ هل سيبني جدارا عازلا بينه وبين المكسيك؟ هل سيصالح روسيا ويطبع العلاقات معها أكثر من أي وقت مضى؟ ماذا عن الصين؟ ماذا عن داعش؟ وغيرها... كل هذه التساؤلات وحده ترمب سيجيب عليها حين يبدأ عمله، رغم أنه بدأ يتراجع عنها تدريجيا حتى آخر يوم قبل الحسم في 8 نوفمبر(تشرين الثاني) قبل أيام.
هذه التساؤلات، عرضها الصحافي الأميركي جيفري جولدبرغ على السياسي الأميركي المخضرم وزير الخارجية الأسبق في فترات متعاقبة هنري كيسنجر، والذي رد أن أي سؤال عن أن هل ترمب سيكون خيارا جيدا أو لا ؟ سؤال عديم الفائدة، لأنه أصبح رئيساً الآن. والسؤال هو : كيف سيتصرف؟
مقابلة جولدبرغ الهاتفية المختصرة تتلخص في أن ترمب كان يتصرف في حملته الانتخابية رداً على رسائل ملاطفة من روسيا أو أسئلة محددة من صحافيين أو تصريحات عامة. حين سأله الصحافي عن إمكانية أن يكون هناك تقارب بين موسكو وواشنطن على يد دونالد ترمب أم مواجهة فأجاب أن هذا مبالغة، وتصريحات ترمب عن روسيا لا تعدو كونها تلطفا وإيجابية رداً على كلام إيجابي من بوتين تجاهه، وأن الموضوع لا يحتمل المبالغة في تهويله وتصويره.
الدرس المستفاد من مقابلة كسنجر وإجاباته، وهو صاحب الخبرة السياسية الواسعة، عدم التعجل في الحكم، وترك إجابات مفتوحة لمستقبل الأيام، فالصحافي ليس عرّافاً، وإنما يتعاطى مع الأحداث ويكتب عنها ويحللها بناء على معلومة، لا عاطفة وخيال.
وبعيداً عن روسيا والصين وخياراتهما المفتوحة في التعامل مع الرئيس العقاري، فإن الترقب العربي على أشده. الدول التي شجبت تصريحاته تجاه المسلمين تترقب كذلك، والأمر ليس مخجلاً في حال التراجع، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند صرح قبل حسم الرئاسة الأميركية لصالح ترمب أنه يشعر بالتقيؤ حين يسمع اسمه وكلامه، وبعد إعلان النتيجة، هنأه مباشرة، صحيح أنه عرف دبلوماسي لا علاقة له بالتراجع المباشر عن الموقف، لكن أيضاً شعوره بالانزعاج من الرئيس الجديد وعدم استلطاف تصريحاته لن يلغي الأمر الواقعي أنهما سيعملان سوياً.
ترمب، نجم تلفزيون الواقع، العقاري، المغامر، أحدث انقساماً في الشارع الأميركي، وخرج الآلاف في تظاهرات شهدتها ولايات أميركية مختلفة، صاحب هذه التظاهرات خروج مجموعات غوغائية على مواقع التواصل الاجتماعي، بمختلف أنواعها، تمارس الدعاء أن يشتت الله شمل أميركا، وأن يهلكها ويهلك الرئيس الجديد، وهذا سلوك عاطفي لا علاقة له بالعقل، فهم يرون أن أميركا عدوة للمسلمين ويجب أن تسقط، ولن أكرر العبارات المستخدمة لتفنيد سلوكهم، انهم يعبرون عن كراهيتهم لأميركا بمنتجات أميركية، وعلى مواقع إلكترونية أميركية، بل إن حياة المواطن العربي أصبحت محاصرة تقنياً بمنتجات تنتجها قلعة التكنولوجيا الأكبر في وادي السيليكون بسان فرانسيسكو.
هذا الانطباع السلبي، وشعور الكراهية، أثارته بالمقام الأول تصريحات ترمب، فبالعودة إلى الانتخابات الأميركية في 2008 والتي انتهت بتنصيب باراك (حسين) أوباما رئيساً، شهدت المنطقة العربية في عهده أسوأ فتراتها، فإن الشارع العربي والإسلامي كان مرحباً بصعوده وفوزه، والطريف في الأمر، أن اسم حسين والحديث عن إخفائه لإسلامه، جعل العالم الإسلامي في حالة ترقب كيف سينتصر لهم، في تعامل غريب مع رئيس الدولة الأقوى في العالم وكأنه واعظ ديني لا سياسي ضمن منظومة حكم.
وهذا الشعور مفهوم، وأظن أنه فات على ترمب أن يتحدث مثلاً أنه يتحدر من أصول سورية، بافتراض صحة المعلومة، أو أن يكلف العاملين على حملته الانتخابية بتكثيف الترويج لهذا، فقد تميل العاطفة العربية له، وتتحول مشاعر الكراهية إلى مشاعر ترقب.
الشعور الإيجابي تجاه أوباما سابقاً، والذي أثبتت الأيام خطأه، وأنه ميل في غير محله، يشبه عناوين صحافية في 1996، حين توفيت أميرة ويلز ديانا سبنسر بحادث سير في العاصمة الفرنسية باريس مع عشيقها، فخرجت إحدى الصحف بعنوان “ماتت بحملها وحلمها بالإسلام”، ولا أبالغ إن قلت إن الكتب العربية - المسلوقة - التي ألفت عن الأميرة الجميلة، أكثر مما ألفه البريطانيون، قد يكون لأن عشيقها من أصول عربية.
ونفس الحالة تكررت بعد وفاة نجم البوب الشهير مايكل جاكسون، فخرجت نفس الفئة تتحدث أنه كان يخفي عن الناس رغبته في اعتناق الإسلام، وحين تبحث في الصحافة الغربية، أو المصادر الرصينة، لا تجد صحة لهذا الكلام. في الصحف الصفراء، وحالياً، في مجموعات برنامج المحادثات "واتساب" فقط.
هذه المشاعر الجياشة تجاه الأميرة ديانا، ثم جاكسون، وبعدهم (أبو حسين) الذي نظم فيه البعض القصائد، تحركها القصص الوعظية، والتخيلات المبنية على أن العالم سيعمه السلام لو توحدت الديانات، وبافتراض أن العالم يجب أن يعيش بنفس طريقتنا، وإلا فإننا لن نلتقي أو نتوافق مطلقاً!
دونالد ترمب وعائلته سيدخلون إلى البيت الأبيض، وسيحكم العالم، وليس العرب وحدهم من يترقبون، فالصين حذرت أمس الرئيس الجديد من أي مساس باتفاقيات التغير المناخي المتفق عليها في باريس مؤخرا، وإيران قلقة من نقض الاتفاق النووي، على الرغم من تحرك جاد من الكونغرس حالياً وقبل أن يحكم ترمب فعلياً بإلغاء ومنع صفقة طيران مدني مع نظام طهران. هذه التهديدات والتلويحات هي ردود فعل، فقد سبق لترمب أن هدد أنه سيلغي اتفاقيات المناخ وأنه سينسحب منها فور وصوله للرئاسة، وسيضيق الخناق على إيران أيضاً.
دونالد ترمب أصبح رئيساً، وكل ما أطلقه من تصريحات قد يكون الواقع معاكساً لها تماماً، حتى في علاقته مع روسيا.
فـ"المتهور" - حسب ما يصفه المتعجلون - قد يخفي شخصية أخرى، وسياسات تكون في صالح المنطقة العربية، وإعادة ملء الفراغ الذي تركه السيد باراك حسين أوباما لروسيا وإيران.
8:2 دقيقه
TT
عاصفة العواطف والتهديدات تجاه ترمب!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة