جوزيه غرازيانو دا سيلفا
TT

الزراعة المستدامة يجب أن تتصدر المشهد في مراكش

يعد القطاع الزراعي، بما يشمله من الغابات والمصائد، القطاع الأكثر تعرضًا لتهديدات تأثيرات التغير المناخي. وفي الوقت ذاته، فإن القطاعات الزراعية مسؤولة عن إنتاج نحو خُمس انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم.
ومن ثم، فإن إدخال تعديلات كبيرة على القطاعات الزراعية بهدف خفض تأثيرات التغير المناخي والتكيف معها، مهم جدًا للقضاء على الجوع والفقر. كما أن ذلك يعود بفوائد كبيرة ويوفر فرصًا عظيمة للحفاظ على الموارد الطبيعية.
وخلال مؤتمر الأطراف الحادي والعشرين الذي انعقد في باريس (COP21)، قدمت الدول تعهدات غير مسبوقة للعمل على التكيف مع التغير المناخي وخفض تأثيراته. وأقر الاتفاق بـ«الأولوية الجوهرية لحماية الأمن الغذائي والقضاء على الجوع، وبتعرُّض نُظم إنتاج الأغذية على نحو خاص للآثار السلبية للتغيّر المناخي»، وهو ما تم التأكيد عليه أيضًا في إطار تعهدات الدول التي تعتبر القطاعات الزراعية أولوية.
والآن، وخلال مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين (COP22) في المغرب، لدينا الفرصة لإحراز تقدم كبير بجعل الزراعة جزءًا رئيسيًا من الحل.
وسيتطلب التحول نحو وسائل الزراعة المستدامة الخروج بحلول معينة وتوفير بيئة مواتية وكذلك الموارد والوقت. ونظرًا لأن من بين المنتجين الرئيسيين للغذاء في العالم يوجد 500 مليون من أصحاب الحيازات الصغيرة والأسر الزراعية الذين يمارسون شتى الأنشطة الزراعية في ظل ظروف بيئية متنوعة، فلا يمكن تطبيق صيغة واحدة على كل الحالات للوصول إلى الزراعة المستدامة.
ولهذا السبب تحديدًا يجب توفير الدعم السريع لهذا التحول إلى الزراعة المستدامة.
وقد سجل شهرا يوليو (تموز) وأغسطس (آب) من عام 2016 درجات حرارة كانت الأعلى تاريخيًا، ما سلط الضوء على الحاجة الماسة لزيادة جهود التعامل مع التغير المناخي.
غير أن الأمر المشجع هو أنه بالإمكان فعلا التحول جذريًا نحو زراعة مستدامة وذكية مناخيًا أيضًا، كما أن أصحاب الحيازات الصغيرة - وهم الأكثر تأثرًا - يمكنهم أن يتكيفوا مع التغير، وليس ذلك فحسب، بل إن يسهموا أيضًا بشكل نشط في استقرار مناخ الكوكب.
ولكي يتمكنوا من تحقيق ذلك، يجب مدهم بالدعم المطلوب، إذ ليس لديهم أي احتياطيات لاستثمارها في تطبيق ممارسات زراعية جديدة. وكلما عجلنا في البدء بالتركيز على تقديم هذا الدعم للعاملين في ريف البلدان النامية كان ذلك أفضل، إذ ليست لدينا فسحة كبيرة من الوقت قبل أن تتضرر أرزاق المزارعين في الدول النامية في مناطق أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا والجزر الصغيرة بشكل أكبر جراء الآثار السيئة للتغير المناخي.
ويوجد كثير من المقترحات القابلة للتنفيذ بتكلفة ممكنة للتعامل مع التغير المناخي، بدءا من تطبيق ممارسات الزراعة القائمة على النظم الإيكولوجية، ومرورا بتلك التي اشتملت عليها توصيات الفاو للزراعة الذكية مناخيًا والحفظ والتوسع، وحتى الأساليب من قبيل توسيع استخدام محاصيل تثبيت النيتروجين ووسائل خفض انبعاثات الميثان الناتجة عن زراعة الأرز وتربية الماشية.
وتدعم منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) بشكل نشط البلدان على صعيد تلك الجهود المتعددة، من تحسين خصوبة التربة إلى الاستخدام الجيد والمستدام للمياه وتنويع المحاصيل والماشية وحماية التنوع الطبيعي ومساعدة الدول الأعضاء على بناء قدرات في المجال التقني وفي مجال صنع السياسات.
وينص اتفاق باريس للمناخ، وهو أول اتفاق دولي ملزم قانونيًا بشأن المناخ العالمي، بوضوح على أهمية تطويع الإجراءات المناخية للوصول إلى التنمية المستدامة، وهو ما تستطيع القطاعات الزراعية أن تفعله بشكل مباشر. ومن المهم جدًا أن نبقي على هذا الزخم. ونظرًا إلى أن المجتمعات الريفية في البلدان النامية هي الأقل مسؤولية عن إحداث التغير المناخي والأكثر عرضه لآثاره السلبية، بات من واجبنا، بل ومن مصلحتنا المشتركة، تمكين هذه المجتمعات من التعامل مع تلك التحديات.
ومن أجل ذلك بات من الضروري الإسراع في توفير الاستثمارات من القطاعين العام والخاص، فالفوائد التي ستعود من التحرك الفوري ستتجاوز بكثير التكاليف على المدى القصير.
وتتوفر حاليًا إمكانات جديدة للتمويل، ومنها «الصندوق الأخضر للمناخ»، والمطلوب من جهات التمويل الدولية والعامة التشجيع على ضخ الاستثمارات الوطنية والخاصة بصورة أكبر للتكيف مع التغير المناخي وخفض آثاره على الزراعة. ومرة أخرى ينبغي توجيه مزيد من الاعتمادات المالية المخصصة للتعامل مع المناخ نحو الزراعة المستدامة، نظرًا لما يحمله ذلك من مردود قوي على جهود القضاء على الجوع والفقر والإسهام في الحد من آثار التغير المناخي.
والآن، فإن ما نحتاج إليه هو الإرادة السياسية والالتزام بالتنفيذ وتبني السياسات المتسقة. فإن لم نتحرك الآن فلن يكون بمقدورنا القضاء على الجوع والفقر بحلول 2030، كما ارتأينا في الأهداف الدولية للتنمية المستدامة، بل والأخطر من ذلك هو أن مزيدا من البشر - قد يصل عددهم إلى 122 مليونا - ربما يصبحون أكثر عرضة لنقص التغذية بحلول 2030 مقارنة مع عددهم لو لم يتغير المناخ.
فحري بنا إذن أن نعطي للزراعة في مؤتمر مراكش دورها المحوري في التصدي لتهديدات الجوع والفقر والتغير المناخي.

* المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)