حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

المغرب.. أنموذج للتعايش السياسي

وفاز الوطن المغربي، وانتصرت روح الاستيعاب لكل التيارات في الساحة السياسية؛ من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وجاءت نتائج الانتخابات البرلمانية حضارية راقية؛ حيث فاز الأول، وهو حزب العدالة والتنمية ذو الميول الإسلامية، بـ125 مقعدًا من واقع الـ305 مقاعد، وفاز حزب الأصالة والمعاصرة ذو الصبغة الليبرالية، الذي حل ثانيًا، بـ102 صوت، وهكذا خلت نتائج هذه الانتخابات النزيهة الواقعية العملية من الأرقام «العربية» الساحقة الماحقة المتخلفة؛ 99 في المائة وأخواتها.
نتائج الانتخابات المغربية جاءت غصة في حلق الحكومات القمعية التي أقصت بالقمع والقوة والقتل والسحل والفصل والسجون، تيارات سلمية بدعوى الإرهاب، فتصاعدت في بلدانها وتيرة الإرهاب، واستوعب المغرب تياراته الإسلامية بشتى توجهاتها ودمجها في عمليته السياسية، فصار المغرب من أقل الدول العربية معاناة من الإرهاب والتشدد والتطرف. هو إذن تناسب عكسي؛ فكلما استوعبت الدولة، أي دولة، تياراتها الإسلامية السلمية، خنس الإرهاب والتطرف، وكلما تدهور الاستيعاب للتيارات الإسلامية السلمية، نما الإرهاب وازدهر التشدد.
ولكي لا يفسد المغرب على الدول القمعية خطتها في إقصاء التيارات الإسلامية وقذفهم جميعًا ببهتان الإرهاب، سلطت إحدى الحكومات القمعية الإقصائية أذرعتها الإعلامية، متهمة المغرب باستيعاب «الإرهابيين»، وأنه قد آن الأوان لكي يصحو المغرب من غفوته، والمعادلة المضحكة هنا أن من فشل في محاربة الإرهاب بالإقصاء، يعظ من نجح في استئصال شأفته بالاستيعاب، وهو ما يختصره المثل العامي: «شين وقوي عين».
ويحسن أن أذكر هنا تجارب عربية أخرى ناجحة، وإن بدت مختلفة متفاوتة، فالسعودية وإن لم توجد فيها انتخابات برلمانية، إلا أن الانتخابات البلدية تجري بصورة طبيعية وشفافة، وفاز في عضويتها عدد كبير من ذوي الميول الإسلامية، ومجلس الشورى الذي يمثل ثقلاً في المعادلة السياسية السعودية، خصوصًا في سَنّ الأنظمة ومراقبتها، هو الآخر راعت فيه الدولة أن يمثل الأطياف الفكرية في السعودية من دون إقصاء لأي توجه، فهو فعلاً يمثل الخريطة المناطقية والفكرية وحتى المذهبية، ولهذا يقف الجميع صفًا واحدًا وراء الدولة في محاربة الإرهاب «الحقيقي» وتجفيف منابعه، بل إن عددًا من ذوي الميول الإسلامية هم من أدواتها الفاعلة في مقاومة التشدد ومنازلة الإرهاب. وللكويت والأردن أيضًا تجارب ناجحة في إعطاء التيارات الإسلامية قدرًا «معقولاً» من الكعكة السياسية، صحيح أنها دون التجربة المغربية بمراحل، لكنها تتفق معها في استيعاب الجميع وعدم إقصاء أحد، ولهذا، فالإرهاب والتشدد في السعودية والأردن والكويت، وأيضًا المغرب، محصور ومحارب من قبل الجميع، وإن تخاصمت هذه التيارات على منصات الإعلام الجديد والقديم.
الجميل في التجربة المغربية أنه، وعلى الرغم من بعض التعديلات الدستورية والتنازلات التي صبت في حوض الأحزاب السياسية، بقي الملك بمركزه ونفوذه وهيبته وسيطرته على السياسة الداخلية والخارجية، ولم يتغير شيء على الخريطة السياسية أو الأمنية، وانشغل الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية، أيًا كان توجهه، بالشؤون الاقتصادية والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والإسكانية.. إلخ، وبهذه المعادلة السياسية الذكية «لا تجوع ذئاب الأحزاب السياسية، ولا تفنى أغنام الحكومة». قدمت المملكة المغربية أنموذجًا للتعايش السياسي حري أن يُشاد به.