طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

عمرو دياب في «غينيس»

الموسوعة كانت وتظل هي توثيق للاستثناء، من يدخلها هو الذي يحقق الرقم الأعلى أو الأدنى، فهي تسمح للالتحاق بها للأطول والأثمن والأسمن، كما يدخلها الأقصر والأرخص والأرفع، في كل الأحوال كانت وستظل حدثا يثير اهتمام الناس.
عمرو دياب اقتحم مؤخرا موسوعة «غينيس» محققا أعلى إنجاز رقمي لمطرب عربي في عدد الجوائز من مسابقة «الميوزيك أوورد» رصيده منها فقط وصل إلى 7 مرات، كما أن مبيعات أغانيه عبر تاريخه الذي يقترب من 35 عاما وضعته أيضًا على القمة عربيا، سبق للمطرب السوري الكبير صباح فخري أن دخل الموسوعة قبل نحو أربعين عاما، لأنه غنى لمدة عشر ساعات متواصلة دون استراحة في مدينة «كاراكاس» الفنزويلية، وهو إنجاز كما تعلمون عظيم، لا ينافسه سوى أن تظل على القمة الرقمية سنوات متعددة.
عمرو دياب ابن مدينة «بورسعيد» وصل إلى شاطئ الـ55 عاما ولا يزال متمتعا بملامح الشباب متربعا على قلوبهم معاصرا أكثر من جيلين فلقد جمع بين قلوب الآباء والأبناء، من رددوا له «ميال ميال» صاروا أباء يرددون له مع أبنائهم آخر ألبوماته «أحلى وأحلي»، الزمن هو العدو الأكبر للفنان، وعمرو صَالَح الزمن وفك «شفرته».
نعم لو لم يكن عمرو ابن زمن الثمانينات، كان سيرفض تماما من الأجهزة الرسمية، لأن الإذاعة كان من الصعب بل من المستحيل أن تعترف مثلا بصوته، تماما مثلما حدث لعبد الحليم حافظ، الذي رفضت الإذاعة المصرية منحه التصريح ثلاث مرات متتالية في مطلع الخمسينات، لولا أن صديقه الموسيقار كمال الطويل لجأ إلى حيلة أقرب إلى المقايضة مع عضو في لجنة الاستماع، مقابل أن يوافق الطويل على صوت مطرب آخر، تراها الآن صفقة مرفوضة، ولكن الطويل وصفها في مذكراته التي سجلتها معه أنه كان مجبرا عليها، ولم يكن أمامه سوى أن يوافق على شروط اللعبة.
عمرو دياب يدرك جيدا أن الموهبة وحدها لا تكفي، وهو لهذا يحافظ ليس فقط على صوته، ولكن جسده صار ينافس أبطال الرياضة، زمن عبد الوهاب وعبد الحليم وفريد ليس هو زمن عمرو، كنت في الماضي تجد المطرب ضئيل الحجم والذي يتعاطف معه الجمهور خوفا عليه، طبعا لسنا بصدد مسابقة لكمال الأجسام، ولكن كمال الأصوات، إلا أن ما يبدو ثانويًا في نظر البعض أراه الآن صار محوريا، الزمن بات يفرض الكثير على المطرب، تابعوا مثلا حرص حسين الجسمي على أن يختصر من جسده عشرات الكيلو غرامات ليبدو أمام جمهوره رشيق القوام، وعلى الجانب الآخر تابعوا حالة الترهل الجسدي والصوتي التي أصابت المطرب محمد فؤاد وهو ابن جيل عمرو، وكانت المنافسة بينهما وحتى التسعينات على أشدها، تراجع فؤاد كثيرا على كل المستويات وصارت أرقام مبيعاته من الأشرطة وإيرادات حفلاته تتذيل القائمة، الزمن لا يعترف سوى بمقياس واحد وهو أن يستوعب الفنان المفردات العصرية، ويدرك أن «كتالوج» التواصل مع الجمهور يتغير من حقبة إلى أخرى.
عمرو دياب الذي أطلقوا عليه قبل 15 عاما «الهضبة»، يحتل القمة الرقمية على مدى يقترب من أربعة عقود من الزمان،، نعم الرقم مؤشر مهم على الحضور، ولكن ظلال الرقم التي لم ترصدها موسوعة «غينيس» هي الأهم، لأنها هي التي تضمن البقاء على القمة، والسر في عمرو دياب أنه أدرك جيدا تلك الظلال!