مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

يا مدبر العربان دبر قومك

كشفت وزارة الزراعة الأميركية عن تحاليل مخبرية تؤكد وجود منتجات زراعية تمت سقايتها بمياه المجاري، الأمر الذي تسبب في ظهور بقايا لفضلات آدمية وحيوانية على العديد من المواد الغذائية التي تصدرها مصر، كالملوخية والسبانخ والبامية والبازلاء والفول الأخضر والفراولة والخرشوف، مما يجعلها سببًا رئيسيًا في الإصابة بمرض الكبد الوبائي وغيره من الأمراض.
وما كذبت خبرًا «الهيئة العامة للغذاء والدواء السعودية»، حتى أصدرت بيانًا تؤكد فيه أنها سبقت إعلان وزارة الزراعة الأميركية باكتشافها لتلوث بعض الخضراوات والفواكه المستوردة من مصر وبعض الدول الأخرى، وعدم ملاءمتها للاستخدام الآدمي، في وقت سابق من العام الحالي.
ويحق لنا أن نقول للهيئة الموقرة: (يا مدبّر العربان دبّر قومك).
وقبل أن نخوض في فحوى هذا المثل يحق لنا أيضًا أن نسأل الهيئة عن أسماء الدول الأخرى لنأخذ الحذر من منتجاتها.
ويا ليت الهيئة بدلاً من أن (تتفلحن) وتفتخر بأنها كشفت هذه (المصيبة) في المنتجات الزراعية الملوثة التي تأتينا من الخارج، تتنبه (للزراعات العشوائية) في طول بلادنا وعرضها.
فعلى سبيل المثال، ورد قبل أربعة أشهر تحقيق صحافي بالصور والدلائل القاطعة بأن هناك ما لا يقل عن (500) مزرعة في منطقة المدينة تُسقى محاصيلها بالمياه الملوثة، ولم نسمع إلى الآن صوتًا (للهيئة) يرد على ذلك التحقيق.
وفي منطقة مكة هناك مزارع في ثول وأم حبلين وعسفان وخليص وبحرة وصولاً إلى الأودية حول مكة، كلها تزرع الخضراوات أشكالاً وألوانًا بأيدي عمالة غير نظامية.
والجميع يعلمون أنه لا توجد هناك آبار في تلك المناطق صالحة للشرب ولا للزراعة، إذن من أين يسقون تلك الزراعات، ويجنون تلك المحاصيل، التي يطرحونها في الأسواق؟!
هل يسقونها يا ترى بالصهاريج - أي (الوايتات) - المحملة (بمياه التحلية النقية)؟! طبعًا هذا مستحيل لأن أسعارها المرتفعة لا تجدي معهم تجاريًا، وليس هناك أرخص وأسهل وأفيد من (وايتات الصرف الصحي)، و(لا من شاف ولا من دري).
فعلاً (من أمن العقاب أساء الأدب)، وهل هناك إساءة أقدح من هذه؟!
إن طرح الخضراوات الملوثة للبيع للمواطنين لهو أكثر خطورة وشناعة من طرح أدوية مغشوشة. إنني والله حزين لأنني حرمت نفسي من أكل (السلطة) التي أحبها.
ليس هناك أسهل من تصوير تلك المزارع جويًا، التي تنتشر كوباء السرطان، ثم حصرها ومداهمتها دون سابق إنذار، وكشفها بالجرم المشهود، والمعاقبة والتشهير بمن يتاجرون بها، سواء كانوا أجانب أو مواطنين، فخير لنا أن نموت من الجوع، ولا نموت من الأمراض.
المسألة ليست لعبة، لأن حياة الناس ليست لعبة.