مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

ما هو الدابر؟!

الشاعر اللبناني (إلياس فياض)، عاش في مصر عدة سنوات، وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، عاد إلى لبنان في عام 1919، وكانت أحواله المادية في الحضيض، وحيث إن شهرته الشعرية قد سبقته، فقد احتفى به القوم، فارتأت الحكومة أن تكرمه، لهذا أسندت إليه مديرية الشرطة.
ولما كان يجهل لغة أو مصطلحات الدواوين، راح يصدر أوامره لرجاله بلغة أدبية مقعرة أحيانًا.
وفي ذلك الوقت كانت الأوضاع في لبنان مضطربة، والأمن على كف عفريت، والعصابات المسلحة منتشرة في عدد من الأماكن.
فأصدر مدير الشرطة (إلياس بك فياض) أمره الحاسم لرجاله (بقطع دابر الأشقياء)، مهما كلف الأمر.
وصادف أن إحدى الدوريات قد تمكنت من القبض على شاب من رؤوس الفتنة، وتذكر رئيس الدورية الأمر المعمم على قوى الأمن المختلفة من رئيسهم، والقاضي بـ(قطع دابر) الأشقياء.
فجمع جنوده ليتداولوا الأمر، ويبدأوا بقطع الدابر، غير أن (حمار الشيخ وقف عند العقبة) - مثلما يقال -، فعجز الجميع عن فهم أو تفسير كلمة (دابر) الذي يريدون قطعه، فقال له أحد الجنود النوابغ، إنه على حد علمي يا سيدي، فإن ذيل الكلب يقال له دابر، فرد عليه رئيسه: أما أنت غبي، هذا ليس كلبًا، إنه إنسان، والإنسان ليس له ذيل، هل لك أنت ذيل؟!
وطال نقاشهم وطالت حيرتهم، فمنهم من قال إن الدابر هو الأنف، ومنهم من أكد أنه الأصبع الأوسط من أصابع اليد، غير أن رئيسهم حسم الرأي عندما قال: إنها الأذن، فاقتنعوا بتفسيره، ونفذوا أمره وقطعوا أذنيه الاثنتين، وتركوه على قارعة الطريق ينزف دمًا إلى أن فارق الحياة، لكي يصير عبرة للآخرين.
غير أن هذا العمل استنفر أبناء محلة (مقطوع الدابر)، فهاجموا مخفر رأس بيروت وقطعوا آذان أربعة من الجنود أخذًا بثأر رفيقهم، وقتلوا فوق ذلك المفوض (يوسف حبيش)، الذي سمي فيما بعد مخفر رأس بيروت باسمه حتى الآن.
ومعروف أن قطع الدابر باللغة يعني (استئصاله)، مثلما ورد بالآية الكريمة: (وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين).
هذه أنا فهمتها - أي (الاستئصال) - ولكنني ما زلت مثل رئيس الدورية تمامًا لا أعلم ما هو (الدابر) الذي يستحق القطع، هل هو شيء مادي أو عضوي مثلاً؟ أم أنه شيء خيالي؟!
عمومًا سواء إنْ كان هذا هو أم ذاك، المهم أن يحافظ كل إنسان على دابره بقدر ما يستطيع.