نيكولاس كريستوف
TT

كلينتون وترامب.. أكاذيب سافرة

من الأكاذيب المستمرة على الصعيد السياسي الأميركي أن هيلاري كلينتون كاذبة مراوغة، بينما دونالد ترامب صادق جسور.
وقد خلص استطلاع رأي أجرته «سي بي إس نيوز» إلى أن الرأي العام الأميركي يشعر بالنفور بالدرجة ذاتها حيال كلا المرشحين؛ إذ قال 34 في المائة من الناخبين المسجلين إن كلينتون شخصية صادقة وجديرة بالثقة، مقارنة بـ36 في المائة لترامب.
بيد أن المشكلة هنا تكمن في جمع المرشحين داخل الفئة ذاتها، ذلك أنه لو كان الخداع رياضة، لكان ترامب حاملاً للميدالية الذهبية لها في دورة الألعاب الأولمبية. أما كلينتون، فلا تشكل منافسًا جادًا لترامب على هذا الصعيد.
الآن، دعونا نتحقق من مدى صدق هذا القول.
من المقاييس التي يمكن الاعتماد عليها هنا المواقع الإلكترونية المستقلة المعنية من فحص الحقائق. وتوصل موقع «بوليتيفاكت» مؤخرًا إلى أن 27 في المائة من التصريحات الصادرة عن كلينتون التي تولى الموقع تدقيقها وتفحصها ثبت كذبها أو خطؤها، مقارنة بـ70 في المائة بالنسبة إلى ترامب. وأشار الموقع إلى أن 2 في المائة من تصريحات كلينتون التي عكف على مراجعتها يمكن وصفها بالسافرة، مقارنة بـ19 في المائة بالنسبة إلى ترامب، وعليه نجد أن نصيب ترامب من الأكاذيب الفاضحة تسعة أضعاف نصيب كلينتون.
وبالمثل قال غلين كيسلر، الذي يترأس «ذي واشنطن بوست فاكت تشيكر»: «بصورة أساسية، تبدو كلينتون ممثلة للنهج المعتاد لدى السياسيين»، بينما ترامب «يتجاوز كل الحدود، ولم يسبق قط أن ظهر شخص مثله، على الأقل على مدار السنوات الست التي عملت خلالها بهذا المجال».
عندما أتحدث إلى ناخبين مؤيدين لترامب، غالبًا ما يقولون إن كلينتون مخادعة وكاذبة متمرسة في الكذب، لكن لدى الضغط عليهم أجدهم يشيرون إلى حفنة من الأمثلة لا يخرجون عنها.
من هذه الأمثلة التي يسوقونها ادعاء كلينتون عام 2008 أنها هبطت في البوسنة عام 1996 «تحت نيران القناصة»، و«جرينا ونحن نخفض رؤوسنا» أثناء الخروج من الطائرة. من ناحيتها، دحضت «واشنطن بوست» هذا الادعاء، وطرحت فيديو يظهر أن كلينتون لم يجرِ استقبالها بوابل من الرصاص، وإنما من قبل حشد من أفراد النخبة، بينهم فتاة بوسنية في الثامنة من عمرها.
أيضًا الموقف الذي يصعب الدفاع عنه فيما يخص كلينتون فهو تصريحاتها عن استخدام بريدها الإلكتروني الشخصي، والتي اتضح أنها كانت باستمرار كاذبة أو مضللة. والمثير للاندهاش حقًا أنها ما تزال ماضية في تصريحاتها المضللة بقولها إن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي أقر بصدق إجاباتها (في الواقع، هو لم يفعل ذلك).
في المقابل نجد أن ترامب يستحق عن جدارة لقب الأكاذيب الصارخة.
وبالنسبة إليه، لست في حاجة إلى العودة ثمانية أعوام إلى الوراء للعثور على أمثلة تدينه، وإنما ثماني دقائق فحسب تكفي وزيادة. في مارس (آذار)، وضع إصدار «بوليتيكو» سجلاً زمنيًا لأسبوع من تعليقات ترامب، وخلص إلى أنه صدر عنه في المتوسط عبارة كاذبة كل خمس دقائق. أما «فنغتون بوست»، فقد وضعت من قبل ترتيبًا زمنيًا لـ71 تصريحًا يفتقر إلى الدقة، خلال حديث له على مدار ساعة داخل دار مجلس مدينة؛ ما يعني أن معدل الكذب فاق كذبة واحدة بالدقيقة.
أيضًا على سبيل المثال، اعتاد ترامب التباهي بأنه وفلاديمير بوتين صديقان. وسبق أن قال عنه: «تحدثت بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة مع الرئيس بوتين». ومع هذا، فإنه اعترف لاحقًا بأنه لم يلتقِ بوتين قط ولم يتحدث معه. وقد أعاد نشر تغريدة تحريضية عبر موقع «تويتر» تحمل رسمًا بيانيًا يدعي أن 81 في المائة من البيض الذين يتعرضون للقتل يسقطون على أيدي أشخاص من أصحاب البشرة السمراء (رغم أن النسبة الحقيقية 15 في المائة). أيضًا، نفى ترامب أن يكون أخبر مجلس تحرير «نيويورك تايمز» أنه سيفرض تعريفة بقيمة 45 في المائة على الصين. بعد ذلك، نشرت الصحيفة تسجيلاً صوتيًا له يقول خلاله ذلك بالضبط.
وهناك أيضًا ادعاء ترامب أنه شاهد آلاف المسلمين في نيوجيرسي يحتفلون ابتهاجًا في أعقاب هجمات 11 سبتمبر؛ الأمر الذي يبدو مجافيًا للمنطق. ورغم ذلك، ادعى لاحقًا أن مقالاً نشرته «نيويورك تايمز» دعم ما قاله (الأمر الذي لم يحدث).
ومن أكاذيب ترامب السافرة الأخرى، ادعاءاته بخصوص حملته لجمع تبرعات بخصوص الجنود في أيوا، حيث قال خلال حديث مصور إنه جمع 6 ملايين دولار من أجلهم. وعندما لم يظهر المال، عاد ونفى أن يكون تفوه بمثل هذه العبارة قط.
وعن ذلك، قال توماس ويلز، محاميه السابق: «هذا الرجل يكذب طوال الوقت». ويذكر ويلز أنه شعر ذات مرة بالفضول إزاء التقارير الصحافية المتضاربة التي تناولت عدد الغرف داخل شقة ترامب في «ترامب تاور»؛ 8 أم 16 أم 20 أم 30. وعليه، سأل ترامب عن عدد الغرف الموجودة بالفعل بمنزله، فأجابه: «العدد الذي تنشره الصحف».
باختصار، تمثل كلينتون مستوى الكذب المألوف في أوساط السياسيين، بينما يستحق ترامب وعن جدارة لقب بطل العالم في اختلاق الأكاذيب. في الحقيقة، ليس ثمة مقارنة بين الاثنين.
*خدمة «نيويورك تايمز»