حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

معركة الفلوجة والهدف الأبعد

معركة الفلوجة تختزل مأساة العالم السني الكبير، مأساته من زاويتين؛ الزاوية الأولى في أن شرذمة إرهابية سنية استطاعت بقوة دفع ذاتية وإقليمية أن توجد لها موطئ قدم في أكثر المناطق التهابًا، وتنشئ لها كيانًا أشبه بكيان الدولة، ووجه الارتباك هنا أنها متسخة بكونها أداة لمخططات كبرى لزعزعة العالم السني، وفي الوقت ذاته مقدرتها الفائقة في تجنيد الشباب وجرهم لمناطق النزاع وبؤر الفتن مستفيدة من التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
الزاوية الثانية ارتباك العالم السني في فهم ما يجري بالفلوجة، وكل الذي فهمه أن جماعة إرهابية تستولي على الفلوجة، وأن حكومة عراقية شرعية مسلمة مسالمة تحارب الإرهاب وتريد أن تقضي على أحد محاضنه، وانساق لهذه الخدعة الإيرانية الكبرى عدد كبير من الساسة والمثقفين العرب، مثلما انساقوا لخدعة أن بشار الأسد دمر مدينة حلب لأنه يريد تدمير الإرهاب فيها، وباركه وبارك أعماله الحربية كتّاب من الوزن الثقيل.
صحيح أن «داعش» يسيطر على الفلوجة، وصحيح أن بعض الفصائل المسلحة، ومعها الشباب الذين انساقوا وراء مكينة المقاومة الإعلامية، مستهدفون، ولكن الغاية الكبرى خلخلة الخريطة الطائفية في المنطقة وتغيير ديموغرافيتها تحت غطاء محاربة «داعش» والإرهاب، كان بعض الساسة العرب يصدقون بعض دعاوى الحكومة العراقية أن معركة الفلوجة معركة صريحة بين الحكومة العراقية بمكوناتها المذهبية المختلفة وبين قوى الإرهاب والظلام، حتى رأوا الجنرال الطائفي الإيراني قاسم سليماني على أبواب الفلوجة يوجه ويدير المعركة، وحتى رأوا جحافل الحشد الشيعي يمارس أبشع جرائم التطهير الطائفي وباعتراف قادة عراقيين، فبدأت النغمة تختلف وخفت انتقاداتهم لمن ينتقد أسلوب الهجوم على الفلوجة بعد أن كانوا يعتبرونه مناصرًا لقوى الإرهاب والتطرف، ولم يتجرأ بعض المثقفين العرب على الحديث عن البعد الطائفي في معركة الفلوجة ومعركة حلب وغيرهما والاستهداف الصريح للعرب السنة إلا لما رفع عدد من الكتّاب المسيحيين عقيرتهم، مستنكرين الحرب الصريحة المكشوفة التي يقودها نظام الملالي الطائفي الإيراني ضد الأغلبية السنية الساحقة في العراق وسوريا.
مخزٍ أن تكون الأكثرية السنية هي المستهدفة، وخزي أن تكون المعركة في عقر دارها «وما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلوا»، وخزي أن تتولى قلة متطرفة شيعية بقيادة حكومات طائفية في إيران والعراق وسوريا التطاول على السنة في هذه البلدان، فتقتل وتدمر وتهجر وتغير ديمغرافيتها المذهبية التي تجذرت من مئات السنين، وخزي أن المعسكر السني منذ أن اندلعت الثورة الإيرانية الطائفية وهو يتحسس من الحديث عن هذا الملف الشائك بحجة عدم تأجيج الطائفية، والقاصي يعرف قبل الداني أن الطائفية لم تندلع إلا حين أججتها الثورة الإيرانية الطائفية.
ثورة الخميني هي الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الطائفية.