باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

انفراجات باهتة في أزمة الشرق الأوسط

أي نوع من الحروب هي تلك التي تخاض اليوم في الشرق الأوسط؟ هل هي حرب باردة جديدة بين الغرب الأوروبي - الأميركي، وروسيا؟ أم هي حرب مذهبية بين العرب والفرس؟ أم هي حرب مذهبية بين السنة والشيعة؟ أم هي حرب بين الديمقراطية والديكتاتورية؟ أم هي حرب إسلامية - عربية - دولية على الإرهاب؟ أم هي حرب بين الدول العربية والمشروع الفارسي للهيمنة على العراق وسوريا ولبنان، ومن ثم التحكم في الخليج وثرواته؟ أم هي مقدمة لصراع الحضارات بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي كما وضع ذلك هنتنغتون منذ سنوات؟
إنها كل هذه الحروب معا، ولذلك يجد الخائضون فيها والمتدخلون والمراقبون الحياديون أنفسهم أمام ظاهرة متعددة الرؤوس والعناوين والأبعاد، لم يعرف التاريخ مثيلا لها من قبل، وبالتالي يصعب اتخاذ موقف واضح وصريح من تجلياتها وتطوراتها. اللهم سوى الإجماع - العلني ظاهرا - على ما اتفق على تسميته «الحرب على الإرهاب»، مع العلم بأن تحديد الجماعات أو التنظيمات التي تستحق وصفها بالإرهاب لم يتفق عليه بين كل الدول.
لقد شهدت الأيام الأخيرة عدة خطوات ومحاولات لحلحلة الأمور، أو لتقويمها أو لمنع تفاقمها. منها قدوم الرئيس الأميركي أوباما إلى الرياض ولقاؤه بخادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز وقمة الدول الخليجية. ومنها بدء الحوار بين الأفرقاء المتنازعين في سوريا واليمن وليبيا، وتمكن القوات العراقية من تقليص مساحة الاحتلال الداعشي في شمال العراق. فرغم أن هذا التحرك السياسي ما زال في بدايته ومن الصعب التكهن عن تقدمه، سريعا أو ببطء، نحو اتفاقات - أو اصطدامه بالعقبات المعروفة، فإن ورقة الحل السياسي لم تطو، وإن كانت «أقل أنباء» من الغارات الجوية والصواريخ.
بطبيعة الحال لن تكفي زيارة الرئيس الأميركي للرياض واجتماعه برؤساء الدول الخليجية العربية، والكلام الجميل والوعود والتطمينات التي استمعوا إليها لطمأنتهم على أن واشنطن، والرئيس أوباما بالذات، لم يحجم - أو يعدل - الدور الأميركي في المنطقة ولم يهادن إيران عبر الاتفاق النووي معها، وبالتالي أمدها بطريقة غير مباشرة بقدرات تساعدها على المضي في تنفيذ مشروعها الشرق أوسطي. ولعل النقطة الإيجابية في الموقف الأميركي، والتي التقى فيها مع استراتيجية المملكة العربية السعودية ودول مجلس الخليج، كانت في اعتبار «حزب الله» تنظيما إرهابيا وموقفه السياسي السلبي من نظام بشار الأسد.
في مطلق الأحوال باتت الأزمة المصيرية التي يمر بها الشرق الأوسط ولا سيما سوريا والعراق وليبيا واليمن، رغم كل تعقيداتها ومفاجآتها، أكثر وضوحا من قبل. وإن كان هذا الوضوح باهتا. فمن المسلم به تراجع «داعش» في العراق وسوريا، واستعداد ممثلي المتقاتلين في سوريا وليبيا واليمن للجلوس والتحاور. كذلك اقتناع الدول الكبرى، رغم كل شيء، بأن تفاقم الصراع في الشرق الأوسط بات يشكل خطرا عليها، وكل ذلك من شأنه أن يشجع على الاعتقاد بأن الحلول السياسية ليست مستحيلة، وإن كانت صعبة جدا.
إنما المؤكد نتيجة لما حدث في الأسابيع الأخيرة من تطورات، هو أن «داعش» لن تتوسع ولن تحقق مشروعها بعد أن التقى الشرق والغرب، والعرب والمسلمون على رفض مفهومها للإسلام ونظرتها إلى الإنسان وإعلانها الحرب على ثلاثة أرباع البشرية.
يبقى السؤال: كف سيترجم الوفاق الدولي - الإسلامي - العربي على محاربة الإرهاب و«داعش» بالذات، وإلى أي حدّ سيمتد، أرضا وجوا وعلى الصعيد الدبلوماسي؟ وهل مشاركة - أو عدم مشاركة - روسيا وإيران فيه من شأنه تسهيل تطبيقه أو تعسيره؟
إن «أزمة» الشرق الأوسط، أو ما يسمى الحرب على الإرهاب أو تطور هذه الاصطدامات بين الثقافات والأديان والمذاهب، وصلت إلى حدّ من الخطورة يهدد السلام والأمن، شرقا وغربا، وبات على الدول الكبرى والمجتمع الدولي أن يوقف تفاقمها وتمددها، وأيا كانت الحسابات الصغيرة الجانبية للدول المشاركة فيها. ولا شك في أن توحد كلمة ومواقف الدول العربية والإسلامية منها هو من أهم شروط التوصل إلى حل عسكريا كان أم سياسيا. وهذا ما عملت وتعمل على تحقيقه المملكة العربية السعودية ودول مجلس الخليج، ومن شأنه تعزيز شروط النجاح في إعادة السلام والأمن في الشرق الأوسط.