لي تشنغ ون
سفير شؤون منتدى التعاون الصيني العربي في وزارة الخارجية الصينية
TT

نحو المستقبل المشرق.. بثبات وحزم

بتسليط الضوء على الوضع الطبيعي الجديد لاقتصاد الصين وآفاق التعاون العملي الصيني - السعودي من خلال «الدورتين» في الصين، فإن عام 2016، سيكون عامًا غير عادي بالنسبة للعلاقات الصينية - السعودية. في بداية هذه السنة قام الرئيس الصيني شي جين بينغ بزيارة تاريخية إلى المملكة حظيت بحفاوة بالغة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وأعلن القائدان إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، وتشكيل اللجنة المشتركة الرفيعة المستوى لإرشاد التعاون الثنائي وتنسيقه في جميع المجالات.
إن زيارة الرئيس الصيني جلبت اهتمامًا واسعًا، ورغب كثير من أصدقائنا في التعرف على مستقبل اقتصادنا، وما هو أساس التعاون الصيني - السعودي، وكيف نترجم الآراء المشتركة التي توصّل لها الطرفان خلال الزيارة إلى ثمار حقيقية؟
قبل أيام بدأت «الدورتان السنويتان» للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني واللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني في بكين. وقدم السيد لي كه تشيانغ رئيس مجلس الدولة الصيني للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني خلال افتتاحيته، تقرير عمل الحكومة عام 2016، الأمر الذي أعطانا عزمًا وثقة بتطور اقتصاد الصين وآفاق التعاون العملي الصيني - السعودي في المجالات كافة.
في عام 2015 بقي أداء اقتصاد الصين داخل الحيز المعقول، وبلغ إجمالي الناتج المحلي 67.7 تريليون يوان (نحو 10.25 تريليون دولار)، بزيادة قدرها 6.9 في المائة عما كان عليه في العام الأسبق، ليصبح في مقدمة الاقتصادات الرئيسية في العالم، ونسبة إسهامه في النمو الاقتصادي العالمي تتجاوز 25 في المائة. كما حققت الصين تقدمًا إيجابيًا في التعديل الهيكلي، وارتفعت نسبة إسهام قطاع الخدمات في إجمالي الناتج المحلي إلى 50.5 في المائة، ووصلت نسبة إسهام الاستهلاك في النمو الاقتصادي إلى 66.4 في المائة. وشهد الزخم الجديد للتنمية تسريعًا في النمو، وتقدّم تنفيذ استراتيجية التنمية المدفوعة بالابتكار باستمرار، وتطوّرت الأعمال بشأن إشراك الجماهير في ريادة الأعمال وتشجيع ملايين الناس على ممارسة الأنشطة الابتكارية تطورًا كبيرًا، حيث بلغ معدل الإنشاء الجديد نحو 10 آلاف مؤسسة يوميًا، وقد جرى توفير فرص عمل جديدة لأكثر من 13 مليون شخص في المدن والبلدات سنويًا.. تحسنت معيشة الشعب إلى حدّ أكبر، وازداد معدل نصيب الفرد من الدخل القابل للصرف بنسبة 7.4 في المائة، وانخفض عدد الفقراء من سكان المناطق الريفية بمقدار 14.42 مليون نسمة.
يعد عام 2016 أول عام من «الخطة الخمسية الثالثة عشرة»، وحدد «مشروع الخطوط العريضة للخطة الخمسية الثالثة عشرة لتنمية الاقتصاد الوطني والتنمية الاجتماعية» بوضوح الأهداف والمهمات الرئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في السنوات الخمس القادمة، وأبرز النواحي التالية: الحفاظ على النمو الاقتصادي بمعدل متوسط وعالٍ، وحفّز الصناعة لتتوجّه نحو المستويين المتوسط والعالي، وتقوية الدور الريادي للابتكار، إلى جانب ضخّ قوة محركة ضخمة للتنمية، ودفع الحضرنة الجديدة الطراز والتحديث الزراعي، وحفّز التنمية المتناسقة بين الحضر والريف ومختلف الأقاليم، ودفع تشكيل نمط للإنتاج الأخضر والحياة الخضراء، إضافة إلى الإسراع في تحسين البيئة الإيكولوجية، وتعميق الإصلاح والانفتاح، وتشكيل هيكل جديد للتنمية، ومواصلة زيادة الرفاهية لمعيشة الشعب، وتمتيع جميع أفراده بثمار التنمية.
أما الأهداف الرئيسية المتوقعة لتنمية اقتصاد الصين في هذا العام فهي: زيادة إجمالي الناتج المحلي بمعدل يراوح بين 6.5 و7 في المائة، وإبقاء معدل ارتفاع الأسعار الاستهلاكية للمواطنين عند نحو 3 في المائة، وتوفير فرص عمل جديدة لأكثر من 10 ملايين شخص في المدن والبلدات، والسيطرة على نسبة البطالة المسجلة في حدود 4.5 في المائة، وكذلك خفض استهلاك الطاقة في كل وحدة من إجمالي الناتج المحلي بنسبة أكثر من 3.4 في المائة.
فعلاً، مقارنة بـ10 في المائة معدل نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي على مدى أكثر من 20 سنة، فإن نسبة النمو الحالية تنخفض بعض الشيء، لكن من حيث قيمة الزيادة فإنها بلغت أكثر من 600 مليار دولار، ما يساوي حجم الناتج المحلي لدولة متقدمة متوسطة. ونظرًا للأوضاع الاقتصادية محليًا ودوليًا، وبحسب توقع الحكومة الصينية، فإن التنمية الاقتصادية للبلاد دخلت الوضع الطبيعي الجديد، وتعمل على الإصلاح الهيكلي لجانب العرض، وتولي مزيدًا من الاهتمام لنوعية التنمية الاقتصادية، بينما تحافظ على النمو بمعدل متوسط وعالٍ، ما يجسد عزمها المتمثل في تعميق الإصلاح وتعديل الهيكل ودفع التنمية الاقتصادية لنفسها وللعالم على حد سواء.
وكما يقول المثل الصيني إن «الربيع لا يجيء بزهرة واحدة بل بالزهور كافة»، فإن تنمية الصين لا تنفصل عن العالم، والعكس كذلك. إن الصين، بصفتها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تسهم بحكمتها في التنمية الاقتصادية بالعالم حينما تطور نفسها. ومن أجل تعزيز الترابط والتواصل بين الدول على طول طريق الحرير القديم، ودعم البلدان النامية لإكمال النظام الصناعي وتحسين الهيكل الاقتصادي؛ طرحت الصين مبادرة مهمة تمثَّلت في «الحزام والطريق»، وتم توقيع مذكرات تفاهم أو اتفاقيات بينها وبين أكثر من 20 دولة، كذلك وقَّعت اتفاقيات تعاون لزيادة الطاقة الإنتاجية مع 17 دولة، إضافة إلى الحصاد في المرحلة الأولى لمشروعات مثل سكة الحديد الفائقة السرعة بين جاكرتا وباندونغ، وميناء جوادر في باكستان. وقد بدأ بنك الاستثمار الآسيوي أعماله رسميًا في بكين منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، ومن المتوقع أن يمول ملياري دولار لأعضائه في عام 2016.
تتمتع الصين والسعودية بالمزايا التكاملية الاقتصادية الكبيرة، وهناك إمكانات هائلة للتعاون بين البلدين في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتجارة والاستثمار، إضافة إلى التعاون في الطاقة الذرية والطاقات المتجددة والملاحة الفضائية والأقمار الصناعية وغيرها من المجالات. وتتوفر آفاق أوسع لتعاوننا لبناء الحزام والطريق والطاقة الإنتاجية. ويذكر أن البلدين وقعا «مذكرة التفاهم حول تعزيز التعاون المشترك بشأن الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين (الحزام والطريق) والتعاون في الطاقة الإنتاجية» خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ للمملكة، وشاركت المملكة بشكل إيجابي في البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية كدولة مؤسسة، الأمر الذي سيشكل منصة تعاون جديدة ويزيد القوة الدافعة لهذا التعاون. ومن المشجع أن الرئيس الصيني وخادم الحرمين الشريفين قد دشنا مشروع مصفاة ينبع أرامكو سينوبك «ياسرف»، وهي تعد أكبر مصفاة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، والأحدث من الناحية التكنولوجية، وأصبحت نموذجًا ناجحًا يعكس التوجه التعاون الصيني - السعودي تجاه المستقبل.
لقد مضت الصين قدمًا في مرحلة الخطة الخمسية الثالثة عشرة حينما دخلت السعودية إلى خطتها الخمسية العاشرة للتنمية. ولا يُنكر أن ضعف انتعاش الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن قد يؤثر في أداء الاقتصاد بالبلدين إلى حد ما، ما يتطلب منا المزيد من التضامن والعمل المشترك للتغلب على الصعوبات، وتحقيق المصالح والمكاسب المشتركة من خلال تعميق التعاون. وتستعد الصين للمشاركة الفاعلة في بناء تنويع الاقتصاد السعودي، وتوفير التكنولوجيا والمعدات في صناعات الطاقة والحديد والإسمنت والزجاج وغيرها، ونقل التكنولوجيا العالية والحديثة للمملكة، خصوصًا في الطاقة الذرية والطاقات المتجددة والملاحة الفضائية والأقمار الصناعية، إلى جانب زيادة الاستثمار في المملكة، والمشاركة في مشاريع البنية التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية والمطارات، والعمل المشترك في بناء حدائق صناعية واقتصادية وتكنولوجية، ودفع تسهيل التجارة والاستثمار، والعمل مع الجانب السعودي لدفع منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي لكي يتمتع الشعبان الصيني والسعودي بفوائدها الواقعية. وإنني على ثقة تامة بأنه بفضل جهود البلدين قيادة وشعبًا ستمضي علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة الصينية - السعودية باستمرار قدمًا نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

* السفير الصيني لدى السعودية