ماري وجدي
TT

هوس الماركات و«أراشانات» الأفراح

قديما، قال الفيلسوف والمؤرخ الألماني فريدريش شيلر، إن "المظاهر تحكم العالم"، وربما تعبر هذه الحكمة العميقة عن واقع مرير نعيشه منذ زمن بعيد، إلا أنه تفاقم كثيرا في الفترة الأخيرة، فأصبحنا نهتم بشكل مبالغ فيه بالمظاهر، تروقنا كثيرا الماركات والعلامات التجارية الشهيرة في كل مستلزماتنا، ظنا منا أن هذه الأشياء تدعم مظهرنا أمام الغير، بل صرنا لا نقيس قيمة الشخص الذي نراه بأخلاقة ومبادئة وأفعاله، بل بنوع ماركة الملابس التي يرتديها ومظهره الخارجي، فنحن بمعنى أدق، أصبحنا نتنفس مظاهر، فهي تحيط بنا في الهواء الذي نستنشقه على شكل دوائر صغيرة، فدائرة تحتوي على ملابسنا ذات الماركات العالمية، ودائرة تحتوي على السيارة التي يجب أن تكون الأحدث والأفخم والأكثر جاذبية، ودائرة تحتوي على هاتفنا الجوال الأكثر تطورا، ودائرة تحتوي على المسكن الفخم المجهز على اعلى مستوى، وما إلى ذلك.
وربما الدائرة الأكبر، من وجهة نظري، هي دائرة الزواج وتجهيزاته، التي اختلفت كثيرا في وقتنا الحالي عما كانت عليه قديما؛ ففي الوقت الحالي ارتفعت تكاليف الزواج كثيرا عما كانت عليه قديما وأصبحت تجهيزات الزفاف تتميز بالبذخ الشديد جدا، والمظاهر المبالغ فيها بدلا من البساطة التي كانت تميزها قديما.
وربما يرجع السبب في ذلك إلى الخوف من آراء من نطلق عليهم في مصر "أراشانات الأفراح"، الذين لا يتركون أي تفصيلة بسيطة بالفرح الا وانتقدوها، بل انهم يتخذون الانتقاد هواية ومهنة لهم، فنحاول نحن تحاشي ذلك بجمع أكبر عدد ممكن من الآراء في اختياراتنا وتجهيزاتنا، وقد ساعدنا في ذلك الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فما أن يتم تحديد موعد الزفاف، حتى يبدأ الخطيبان طرح الأسئلة على الانترنت ومواقع التواصل وصفحات فيسبوك العامة عن سيارات الزفاف الفارهة، وأفضل أماكن لشراء فستان العروس وبدلة العريس، وقاعات الزفاف الكبيرة، وأفضل مصور محترف وما إلى ذلك.
وفي بعض الحالات يصبح القرار الوحيد الذي يتخذه العروسان بمفردهما هو اختيار شريك حياتهما، هذا في أحسن الأحوال، أما باقي التجهيزات والقرارات الخاصة بالفرح وترتيباته، فهي قرارات جماعية، يتدخل فيها المئات، بل والآلاف من الأشخاص على صفحات فيسبوك، حتى يضمن العريس والعروس رضا الجميع، عن مظهرهما في يوم الزفاف.
وكل التجهيزات في كفة، واختيار مصفف الشعر وخبيرة التجميل والمكياج أو الـ makeup artist في كفة أخرى، فليس من المهم مدى تمكن هؤلاء الأشخاص من عملهم بقدر ما هو مهم شهرتهم ومدى معرفة الناس بهم، وكلما زادت أجرة هؤلاء الأشخاص، كلما كان ذلك من دواعي سرورنا، حتى نستطيع التفاخر بذكر أسمائهم امام الجميع، واذكر أنه قبل حفل زفاف إحدى صديقاتي، سألت إحدى صديقاتنا العروس عن مصفف الشعر وخبيرة المكياج اللذين ستقوم بإحضارهما، وعندما أخبرتها العروس أنهما غير معروفين لكنها تثق بهما.. ردت عليها صديقتي بوجه متعجب وحاجبين مرفوعين: "هاتجيبي ناس مش معروفة في فرحك.. إزاي؟!".
لست من كارهي التطور والتغيير والحفاظ على المظهر، والظهور بأحسن شكل وخاصة في "ليلة العمر"، ولكن ما يجعلني متعجبة بشدة هو "الهوس" الزائد الذي وصلنا له بالاهتمام بالمظاهر وبإرضاء الغير أكثر من إرضاء أنفسنا وراحاتنا الشخصية، فأصبحنا لا نستطيع التفريق بين الأناقة والبذخ المبالغ فيه، وأصبحنا نعمل ألف حساب لـ "أراشانات الأفراح"، فصارت كل مستلزماتنا في يوم الزفاف من ملابس ومصفف شعر وخبيرة تجميل ومصور محترف مبالغ فيها جدا، أسعارها قد تعادل غذاء أسرة لمدة عام كامل.