باسم الجسر
كاتب لبناني
TT

«طاعون» داعش و«كوليرا» النظام السوري

بلغت الصراعات الدائرة في العراق وليبيا، وفي سوريا خصوصا، الحد والحجم اللذين يفرضان حلاً ما حاسمًا؛ سياسيًا كان أم عسكريًا، طالما أن أنصاف الحلول والمقاربات الخجولة، أو العمليات العسكرية الدولية الإقليمية المحدودة، لم تحسم تلك الصراعات، بل زادتها تعقيدا وشراسة وإضرارا بالمواطنين.
لقد تأرجحت الحلول بين الحل العسكري والحل السياسي، سنوات إلى أن استقر الرأي لدى المجتمع الدولي على أن الحل سياسي بامتياز. ولكن ما إن بدأت الخطوات الأولى في هذا السبيل (مؤتمر جنيف) حتى قام الطيران الروسي بغارات مكثفة على المعارضة في سوريا، ممكنا قوات النظام وحلفاءه الإيرانيين واللبنانيين من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض باتجاه حلب، وتشريد عشرات أو ربما قريبا مئات الألوف من أبناء سوريا.
وكان جراء ذلك تعطل اجتماع جنيف ومشروع الحوار بين النظام السوري ومعارضيه. وارتفعت الأصوات عالية في كل الأطراف المتصارعة أو المتدخلة ملمحة بضرورة التدخل العسكري في سوريا، كحل للصراعات الدائرة على أرضها، من دون تحديد نوع أو شكل أو حجم هذا التدخل.. هل هو تدخل تركي، أم أميركي، أم عربي - إسلامي؟ وهل سيقتصر على خطوة معينة محدودة أم يمضي إلى نهاية غايته من التدخل، أي وقف القتال وإجلاس ممثلي المتقاتلين إلى طاولة المفاوضات؟ وماذا سيكون موقف إيران وروسيا من هذا التدخل؟ هل تتحول المعارك في - أو على - سوريا إلى حرب ساخنة بين موسكو والدول الكبرى والدول الإقليمية؟
ليس بسرّ أن الرئيس الروسي بوتين يستعمل وسيستعمل الورقة السورية في حربه الباردة على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. كذلك إيران التي لن تتخلى بسهولة عن الورقتين السورية والعراقية (واللبنانية). ومن الصعب تصور الطائرات الحربية الأميركية والروسية والتركية والعربية تتعارك في أجواء سوريا. كما أنه من الصعب أن تترك الدول الكبرى والدول العربية والمجتمع الدولي لبوتين والأسد وطهران فرصة سحق المعارضة السورية، وتدمير ما تبقى من المدن السورية، وتشريد ما تبقى من أبنائها وإنقاذ النظام السوري، الذي دمر المدن السورية وشرد ملايين المواطنين من ديارهم.
من هنا يطرح وبقوة وإلحاح، السؤال الذي لا يزال معلقا فوق رأس الجميع: ما العمل؟
إن المشكلة الحقيقية في ما آلت إليه الأمور في سوريا والعراق، هي تشابك المصالح والأهداف بين الدول الإقليمية والكبرى، الذي نقل الصراع من مستوى سياسي داخلي بين نظام الحكم والأماني الشعبية في الحرية والكرامة، إلى معركة إقليمية ودولية ضد الإرهاب، يزيد في تعقيدها تباين نظرة الأطراف المتدخلة إلى الإرهاب والإرهابيين؛ فالنظام السوري وإيران وربما روسيا لها لائحة للإرهابيين تختلف عن لائحة الولايات المتحدة، والعواصم العربية والإسلامية، التي بدورها تختلف عن لوائح الإرهابيين العربية. ترى أليست الخطوة الأولى والشرط الرئيسي لمحاربة الإرهاب والقضاء على الإرهابيين، هو اتفاق الدول والأطراف المعلنة الحرب على الإرهاب، على تحديد الإرهاب وتسمية الإرهابيين؟ وهذا ما لم يتحقق، بعد. ولا نرى أنه سهل التحقق.
نقطة الالتقاء الوحيدة بين كل الأطراف المتنازعة الدولية والإقليمية والعربية، في هذا الصدد، هي حول وصف «داعش» و«القاعدة» إلى حد ما وطالبان بأنها تنظيمات إرهابية. أما غيرها من التنظيمات والميليشيات المسلحة، فإن الحكم بإرهابيتها ليس جماعيا، بل بالعكس، موضوع خلاف، وبالتالي، محاربتها وتحرير الأراضي السورية والعراقية التي تحتلها. أما كيف؟ فالسؤال ما زال معلقا أو مجهولا. إلا بالنسبة للنظام السوري الذي اعتبر رئيسه في تصريح أخير له، أن كل المعارضين له في سوريا هم إرهابيون.
يصعب جدا تبصر الخطوات المقبلة لفك العقدة السورية. هل تكون الخطوة الفاصلة هي نجاح الحوار بين النظام والمعارضة؟ أم يكون الاتفاق والتعاون بين موسكو وواشنطن الذي يبدو أصعب نظرا لمواقف بوتين المتحدي لكل الدول المتدخلة، باستثناء إيران؟ وماذا سيكون موقفه إذا قامت تركيا والسعودية والكتلة العربية والإسلامية التي معها بالتدخل العسكري في سوريا.
إنها احتمالات واردة أو مرجحة أو ضرورية لإنقاذ سوريا والعراق، بل ومنطقة الشرق الأوسط، من هذا المأزق المصيري الخطير الذي تندفع نحوه. ولكن السر هو في من يكون المبادر؟ وما الخطوة الأولى التي تمهد، فعلا، لحلحلة العقد؟
لقد أتاحت سياسة الرئيس الأميركي المترددة، لروسيا فرصة التدخل العسكري في سوريا، وتحقيق انتصارات سياسية في سوريا تصب في مصلحة النظام. والآن تتفق معظم الأطراف على تركيز هجومها على داعش كأولوية استراتيجية. وكما كتبت مجلة «الأوبسرفاتور» الفرنسية: «المجتمع الدولي يجد نفسه بين (طاعون داعش) و(كوليرا النظام السوري)». وليس سهلا عليه الاختيار بين الطاعون والكوليرا.