د. كريم عبديان بني سعيد
ناشط حقوقي ومهتم بقضايا إيران
TT

على العرب استخدام «القوة الناعمة» في الصراع مع إيران

لم يعد يخفى على أحد أن النظام الثيوقراطي الحاكم في إيران اليوم هو امتداد للحركة الشعوبية المعادية للعرب، وأنه يرتدي عباءة التشيع خدمة لمصالحه وأهدافه التوسعية في المنطقة العربية. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف يستخدم النظام كل إمكانياته البشرية والمادية والإعلامية على وجه الخصوص، ليخرج منتصرًا في صراعه العلني مع العرب.
ونظرًا لتصاعد الخطر الإيراني نرى أنه من الضروري أن تقف الدول العربية عمومًا ودول مجلس التعاون الخليجي على وجه الخصوص، في وجه هذا التمدد، ومواجهته بشكل مباشر ودون أي تأخير، وأن تعمل على خلق توازن استراتيجي مع هذه الدولة المارقة التي تتدخل في شؤون جيرانها وتزعزع الأمن والاستقرار فيها.
والجدير بالذكر أن الناشطين العرب الأهوازيين يحذرون ومنذ ثلاثة عقود من خطر توغل النظام الإيراني في المنطقة، وذلك بحكم معرفتهم بهذا النظام الذي كانوا في مقدمة ضحاياه. لكن طبيعة الصراع طيلة هذه الفترة لم تكن كما هي اليوم ولم تؤخذ هذه التحذيرات على محمل الجد.
غير أنه اليوم أصبح الصراع بين العرب وإيران صراعًا وجوديًا، يتطلب خيار المواجهة الشاملة لدرء هذا الخطر الداهم وذلك باستخدام القوة. ولكن عن أي قوة نتحدث؟ أنا أرى أن هناك نوعين من القوة مرشحتين في هذه المواجهة؛ الأولى، المواجهة بـ«القوة الخشنة» (Hard Power)، التي قد تؤدي إلى اندلاع حرب لا تحمد عقباها تكلف الطرفين الكثير من الخسائر في الأرواح والأموال وستكون كارثية على المنطقة والعالم.
أما الثانية فهي المواجهة بالقوة الناعمة (Soft Power)، التي نرى أنها أنجع في هذه المواجهة؛ إذ بإمكان هذه القوة درء هذا الخطر بأقل الخسائر نظرًا للإمكانات الهائلة التي تمتلكها دول الخليج العربي والتي تؤهلها لأن تخوض هذا الصراع، أي الصراع باستخدام القوة الناعمة.
ومن أدوات القوة الناعمة لدى الدول العربية مقارعة النظام الإيراني في المحافل الدولية، خاصة في ملف حقوق الإنسان، الذي يشكل «كعب أخيل» للنظام الإيراني في المحافل الدولية، حيث للنظام الإيراني سجل أسود في الانتهاكات ضد مختلف مكونات الشعب الإيراني من الشعوب غير الفارسية أو الأقليات العرقية والدينية، وهو ملف مطروح بقوة على أجندة الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان.
إن هذه الانتهاكات موثقة لدى المنظمة الدولية، لكن النشاط الإيراني وحلفاءه ولوبياته ونشاطهم الحثيث والذكي من جهة، وغياب التحرك العربي من جهة أخرى، حالا دون إرسال الملف إلى مجلس الأمن رغم صدور قرارات إدانة أممية عديدة ضد إيران.
لذا بإمكان الدول العربية، خاصة تلك التي لديها العضوية في مجلس حقوق الإنسان، أو المنظمات واللجان والمجالس الأخرى التابعة للأمم المتحدة، أن تدعم قرارات الإدانة التي تصدر بشأن انتهاك طهران لحقوق الأقليات الإثنية والدينية والشعوب غير الفارسية وأن تتبنى قضايا الشعوب المضطهدة خاصة قضية أشقائهم عرب الأهواز والأكراد والبلوش والأذريين والتركمان وأهل السنة والأقليات والشعوب المضطهدة الأخرى في إيران.
وللأسف تعامل الدبلوماسيون والسفراء والبعثات التابعة للدول العربية وكأن شيئًا لم يكن تجاه هذه القضية، رغم أنني كرئيس منظمة حقوق الإنسان الأهوازية وزملائي من الأهوازيين وكذلك نشطاء الأقليات والشعوب غير الفارسية تحدثنا مرارًا وتكرارًا خلال الدورات الاعتيادية لمجلس حقوق الإنسان أو الاجتماعات الأخرى في الأمم المتحدة عن اضطهاد ومعاناة الشعب العرب الأهواز والشعوب غر الفارسة الأخرى على د هذا النظام المارق، أمام السفراء ومندوبي الدول والمنظمات الدولية.
بالمقابل يستخدم النظام الإيراني الدول الحليفة له ويجند كل الطاقات لإخفاء جرائمه ويحاول منع طرحها أمام المنظمة الدولية. لكننا ورغم إمكانياتنا المتواضعة استطعنا أن نقض مضاجع هذا النظام. غير أننا لحد الآن دون إسناد أو دعم حقوقي أو سياسي من جانب أشقائنا الذين التقينا بعدد من سفرائهم طيلة سنوات نشاطنا على هامش اجتماعات الأمم المتحدة والذين كانوا يجيبوننا بأنهم لا يريدون التدخل بشؤون إيران الداخلية، رغم أن قضية انتهاكات حقوق الإنسان هي شأن دولي يلزم الدول الأعضاء باتخاذ مواقف واضحة وشفافة تجاه الانتهاكات، خاصة انتهاك حقوق الأقليات.
من هنا نرى أنه بإمكان العرب أن يدعموا قضية عرب الأهواز في ما يخص ملف «الإبادة الثقافية» الذي طرحناه منذ سنين في الأمم المتحدة موثقًا بالأدلة والبراهين عن محاولة طمس هوية الشعب العربي الأهوازي والقضاء على وجوده بشتى الطرق والأساليب والسياسات التعسفية من قبيل التفريس والتهجير ومحاولة التغيير الديموغرافي والتلويث المتعمد للبيئة وحرف مياه الأنهر وغيرها من السياسات العدوانية للحكومة المركزية الإيرانية ضد عرب الأهواز.
تعرف الأمم المتحدة الإبادة الثقافة: بانها  مصطلح  لوصف التدمير المتعمد للتراث الثقافي لشعب ما لأسباب سياسية أو عسكرية أو دينية أو آيديولوجية أو إثنية، أو لأسباب عنصرية.
يذكر أن محكمة الجنايات الدولية حول الجرائم في يوغوسلافيا السابقة اعتبرت أن تدمير الصرب للمؤسسات المدنية للمسلمين يمثل «إبادة ثقافية».
وتجدر الإشارة إلى أن الآن هو الوقت المناسب لطرح هذا الملف، حيث إن هناك حالًا ثلاث دول عربية أعضاء في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وهي السعودة والإمارات والجزائر، لا سيما أن المملكة العربية السعودية ترأس حاليًا لجنة الخبراء المستقلين في مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، كما أن مصر الآن عضو في مجلس الأمن.
وبالطبع هناك وسائل أخرى لاستخدام القوه الناعمة في سبيل التصدي للمشاريع الإيرانية الخطيرة التي تنفذ في عموم المنطقة العربية، منها مساعدة ودعم الحركة الأهوازية من خلال قبول وتوفير مقعد بصفة مراقب لها في جامعة الدول العربية، وفي منظمة اليونيسكو والمجلس الاقتصادي الاجتماعي (ECOSOC)، وتوفير المنح الدراسية للطلبة الأهوازيين في جامعات البلدان العربية، وفرص العمل للخريجين العرب الذين جرى حرمانهم من فرص مهنية من قبل النظام، کجزء من تلك الوسائل وأدوات القوة الناعمة.
* ناشط حقوقي أهوازي