د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

الممرض.. وتدابير مكافحة العدوى

تضيق مساحات التفاؤل حينما يكون الخلل في العاملين الصحيين أنفسهم، وهم المنوط بهم تقديم أكبر قدر من نظافة وسلامة الخدمة للمرضى. وفي شأن الالتزام بمعايير اتخاذ أبسط تدابير الاحتياط والوقاية، يُعول كل من الأطباء والمرضى على التزام طاقم التمريض بتطبيقها بغية توفير أطول فترة زمنية ممكنة من الخدمة الصحية النظيفة والسليمة، وأيضًا بغية نجاح الممرضين في مراقبة تطبيق الأطباء لتلك المعايير حال تعاملهم المباشر مع المرضى، وفوق هذا وذاك بغية تعريف المريض بالكيفية السليمة للعناية به كي يلحظ ما يخالف ذلك ويذكّر مَن لا يلتزم بتطبيق المعايير حال العناية به أن عليه فعل ذلك.
وتمثل مكافحة العدوى ووقاية المرضى من الميكروبات ووقاية العاملين الصحيين من تلك الميكروبات إحدى أولويات بناء سلامة المرضى كسلوك وأسلوب لتقديم الخدمة الصحية، وأقسام العناية المركزة من أهم مناطق المستشفى التي من الضروري جدًا فيها تطبيق معايير مكافحة العدوى. ولكن، هل تسير الأمور في المستشفيات على إيقاع هذا النغم الجميل؟ الباحثون من نظام نورثويل الصحي بولاية نيويورك في الولايات المتحدة أجروا دراسة طبية شملت الممرضين في 116 مرفقا صحيا لتقديم الرعاية الطبية بالولايات المتحدة، وتلقوا من طاقم التمريض تقيمهم الذاتي لبضعة أمور مهمة، منها: مدى الالتزام بمعايير أخذ الحيطة والحذر في الوقاية من العدوى، ومدى التزامهم بتلقي المعرفة الضرورية عن أحد الأمراض، وهو التهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي»، وما هي العوامل السلوكية التي تُؤثر على جدية الالتزام بتطبيق معايير مكافحة العدوى.
ووفق ما تم نشره ضمن عدد يناير (كانون الثاني) من المجلة الأميركية لمكافحة العدوى «American Journal of Infection Control»، توصل الباحثون إلى أن 17.4 في المائة فقط من الممرضين في أقسام تقديم الرعاية الطبية الخارجية يلتزمون بتطبيق المعايير التسعة لمكافحة العدوى! أي أن ممرضًا واحدًا فقط من بين كل خمس ممرضين يلتزم بالوفاء لمريضه ولمستشفاه في الوعد بتطبيق معايير مكافحة العدوى.
وباستعراض المعايير يتبين أنها ليست أشياء أو إجراءات أو عمليات معقدة تتطلب مجهودًا ومعرفة وكفاءة عالية، بل هي كالتالي: أولاً: أقدم خدمة تمريضية تفترض أن جميع المرضى من المحتمل أن يكونوا يحملون ميكروبات مُعدية، وعليه فإني أطبق وسائل وتدابير الوقاية. وثانيا: أغسل يدي بعد خلعي للقفاز. وثالثًا: أتحاشى أن أضع على يدي أجساما معدنية أو غير معدنية كي لا تلتقط الميكروبات ولا تُساهم في نقلها من مريض لآخر أو من مريض إلى عامل صحي آخر. ورابعًا: أرتدي قفاز اليدين حينما تكون يدي عُرضة لملامسة سوائل خارجة من جسم المريض. وخامسًا: أتحاشى أن أعيد غطاء الإبرة، بل أتخلص منها مباشرة وفق المعايير الطبية. وسادسًا: أتحاشى إزالة الإبرة المستخدمة عن أنبوب المحقنة البلاستيكي. وسابعًا: أرتدي قناع الوجه حينما أتوقع أني أتعرض لميكروبات قابلة للانتشار عبر الهواء. وثامنًا: أغسل يدي بعد الفراغ من تقديم الخدمة للمريض. وتاسعا: أتخلص من الأشياء المعدنية الحادة بوضعها في الحاوية المخصصة لها.
ومن مراجعة عناصر هذه القائمة نجد أنها عبارة عن مجموعة من التدابير السلوكية البسيطة جدًا والتي لا تحتوي أي تعقيد والتي هي في نفس الوقت من أهم تدابير مكافحة العدوى، وقد يستفيد أي إنسان منها لتعليم أفراد أسرته كيفية التعامل البسيط مع مريض في المنزل مثلا. ومع هذا لاحظ الباحثون في دراستهم التي شملت 116 مركزًا لتقديم الرعاية الخارجية، أي عيادات الطبيب والعيادات الخارجية في المستشفى وأقسام الطوارئ، تدني الالتزام بها، وهو ما يُعطي شيئًا من التصور حول أسباب سهولة انتشار العدوى الميكروبية حال ظهور حالات وبائية قليلة في أي مجتمع.
وقال الباحثون إن التقييم الذاتي قد يُعطي صورة أعلى من الواقع هو مدى الالتزام الفعلي بتطبيق المعايير، ولاحظنا أن أفراد طواقم التمريض بالعموم تُطبق بشكل انتقائي معايير دون معايير أخرى، وهو ما يجعلهم عُرضة لمخاطر صحية من الميكروبات. وأضافوا: «إن هذه المعايير هي أقل ما يجب الالتزام بتطبيقه كتدابر وسلوكيات للوقاية من العدوى، ويجب الالتزام بتطبيقها طوال الوقت وعند التعامل مع كل المرضى وسواء كانت ثمة علامات وأعراض ظاهرة على المريض أم لم تكن أي منها موجودة لديه. وهذه التدابير تحمي العاملين الصحيين من التقاط العدوى الميكروبية من المرضى وتحمي من عدم قيام طاقم التمريض بدور الناقل للمرض من مريض إلى مريض آخر سواء عبر سوائل الدم أو بقية سوائل الجسم الأخرى كالبول أو إفرازات الجهاز التنفسي أو إفرازات الجروح، إضافة إلى الجلد.
وتظل تدابير مكافحة العدوى إحدى الممارسات اليومية التي تحتاج أنظمة تقديم الرعاية الطبية إلى أن تعيد وتُكرر التذكير بها لجميع العاملين بالمستشفيات، وهي ممارسات على بساطتها تحتاج إلى تذكير، وخصوصا أن كثيرا من حالات الإصابة بالأمراض المُعدية قد لا يحضر المريض بسببها المباشر إلى المستشفى، بل لأسباب مرضية أخرى، كما أن المرضى قد يلتقطون العدوى الميكروبية في المستشفى التي حضروا إليها خالين من الإصابة بها.