تصلح قصة خروج مومياء الفرعون رمسيس الأول من مصر كفيلم سينمائي مثير. تبدأ أحداثه من الدير البحري بالبر الغربي لمدينة الأقصر، في إحدى ليالي شتاء سنة 1871 عندما عثر أحد أفراد عائلة عبد الرسول على خبيئة المومياوات والتي تضم الأجساد المحنطة والعتاد الجنائزي لبعض من فراعنة مصر العظام من الدولة الحديثة وعصر الأسرة 21 حينما حكم كهنة آمون مصر. أخفت عائلة عبد الرسول خبر الكشف المذهل، وقد دخلوا الخبيئة ثلاث مرات فقط، وسرقوا من داخل المقبرة كثيرا من المقتنيات الأثرية الملكية وخرجت إلى أوروبا وأميركا، واستطاع أوجست مارييت أن يعرف أن هناك مقبرة عثر عليها بالأقصر يتم تهريب آثارها إلى أوروبا.
وفي عام 1879 ظهر عبد الرحمن أغا القنصل العام لإنجلترا في الأقصر، وكان من ضمن مهامه مثل باقي قناصل الدول الأوروبية في مصر شراء الآثار والتحف القديمة وتصديرها إلى بلادهم. واستطاع أغا بطريقة ما أن يشتري مومياء الفرعون رمسيس الأول والتي انتهى مقامها بمتحف نياجرا فول في كندا، حيث ظلت هناك بعيدًا عن أعين علماء الآثار، وغير معروفة الهوية. استمر الوضع بالنسبة للمومياء على هذا النحو إلى أن زار هذا المتحف عالم الآثار الألماني «آجا برخت» وكان مديرًا لمتحف الفن بمدينة هيلدسهايم بألمانيا.. وعندما شاهد برخت هذه المومياء داخل المتحف صرخ بصوت عال وقال: هذه مومياء ملكية.. كيف لم نسمع بها من قبل؟! وبعد هذه الحادثة استطاع بيتر لاكوفارا عالم المصريات الأميركي، الذي يعمل بمتحف مايكل كارلوس بأتلانتا بالولايات المتحدة الأميركية، مع مديرة المتحف باتي سبيد عمل حملة تبرعات من خلالها استطاعا جمع 2 مليون دولار وذلك لشراء المومياء. بعد ذلك تم فحص ودراسة المومياء بواسطة العلماء المختصين واتفقوا جميعا على أنها مومياء لفرعون لوجود العلامات الدالة على ذلك، ومنها وجود الذراعين متقاطعتين على الصدر، ولاحظوا الشبه الكبير بينها وبين مومياء الفرعون سيتي الأول مما جعلهم يعلنون أن المومياء التي لديهم هي مومياء رمسيس الأول أبو الفرعون سيتي الأول وجد الفرعون الشهير رمسيس الثاني.
نعود إلى مكان مختلف تمامًا وهو مبنى تسجيل الآثار للمجلس الأعلى للآثار بحي الزمالك، حيث كان يوجد مكتبي بالطابق الأول. فبمجرد اكتمال قصة مومياء الفرعون رمسيس الأول، قمت بالاتصال بمديرة المتحف السيدة باتي سبيد وقلت لها بالحرف الواحد: «لا أقبل فكرة وجود مومياء فرعون مصري خارج مصر، ولذلك فعليكِ أن ترسلي المومياء إلى مصر!» وضحكت المديرة من كلامي وقالت: «سوف نعيد الفرعون المصري إلى بلده، ولنا طلب عندك وهو أن تلقي محاضرة مجانية بمتحفنا». وبالفعل قمت بزيارة المتحف وتأكدت من كلام آجا برخت، وتأكدت أن المومياء ظلت مجهولة طوال هذه السنين، وأنه حان الوقت لتعود إلى بلدها مصر. وكان الاحتمال الأكبر هو أنها مومياء الفرعون رمسيس الأول - أول ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وذلك نتيجة ملامح المومياء وأسلوب التحنيط، وكذلك لأن مومياء رمسيس الأول لم تظهر سواء ضمن المومياوات المكتشفة في خبيئة المومياوات بالدير البحري التي كشفت عنها عائلة عبد الرسول، أو ضمن الآثار المكتشفة في الخبيئة رقم 35، وهي مقبرة الفرعون أمنحتب الثاني بوادي الملوك بالأقصر التي كشف عنها عالم المصريات فيكتور لوريه عام 1898.
المشهد الأخير من القصة المثيرة يتوزع بين مطارات أميركا ومصر وصولاً إلى متحف الأقصر، واستقبال المومياء بالطبل والزمر والموسيقى الرسمية والفرحة في أعين الناس الطيبين بالأقصر وهم يستقبلون أحد أجدادهم العظام الذي عاد إلى وطنه بعد رحلة استغرقت أكثر من مائة عام.
8:18 دقيقه
TT
مومياء رمسيس الأول.. خروج وعودة!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة