نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

ما حك جلدك..

قول بسيط ومأثور تداولته الأجيال للتعبير عن أن أساس أي إنجاز على أي مستوى ينبغي أن ينطلق من الإمكانيات الذاتية، وكل ما يأتي فوق ذلك مهما كان ضروريًا وأساسيًا، إلا أنه يظل ثانويًا. أستعيد هذا القول البسيط، بعد أن أعلن عن قيام تحالف إسلامي لمحاربة الإرهاب، وقبله كان قد شُرع في تشكيل قوة مشتركة للدفاع عن الأمن القومي العربي. ولا أعرف، كما لا يعرف الكثيرون غيري، إلى أين وصلت هذه القوة تحت التأسيس؛ ذلك أن الاهتمام بها تلاشى ولم تعد تذكر بما يتوازى مع أهميتها.
التحالف الجديد الذي أعلن عن تأسيسه، ومن المفترض أن ينضم إليه كثيرون من العالم الإسلامي، كان ينبغي أن يولد مع بداية إدراك خطر الإرهاب الذي تدثّر بأردية إسلامية وانطلق من أرض إسلامية وطرح أهدافًا ذات شكل إسلامي، ويمكننا القول مع ولادة التحالف الإسلامي، إن الوقت لم يفت لتدارك التأخير، وإن المدى ما زال مفتوحًا أمام عمل إسلامي عربي متكامل يمليه ذلك الاندماج المطلق بين الحرب على الإرهاب وحماية الأمن القومي العربي.
لقد ازدحمت منطقتنا بأحلاف كنا فيها إما ضيوفًا، وإما في موقع بعيد عن القيادة المباشرة، وبديهي أن تنشأ التحالفات وتزول ونحن أبعد ما نكون عن الإفادة منها في حين أن أرضها كانت بلادنا وهدفها كذلك، وإذا ما دققنا في أسباب استفحال خطر الإرهاب على بلادنا وقضايانا وحتى صورتنا أمام العالم، فإننا نكتشف سببًا جوهريًا لذلك، وهو أننا لم نبنِ العضلة الأساسية لمعالجة الأخطار المحدقة بنا مع أننا نمتلك مقوماتها جميعًا، وأهم المقومات المال والرجال والأرض.
في عالمنا الذي شهدنا فيه تسليم قرن الحربين العالميتين، الذي يسمى القرن العشرين، لحرب عالمية ثالثة بصورة مختلفة في القرن الحادي والعشرين.. في عالمنا هذا نعيش اقتتالاً ضاريًا مركبًا ينخرط فيه العالم كله، وفي ثنايا هذا القتال الكوني تضطرم خلافات وصراعات وتنافسات لا أحد يعرف كيف يمكن أن تحسم أو هل تكون قدر العالم لعقود طويلة قادمة، وهذا الواقع الدولي والمنعكس بتفاعلاته على أقاليم العالم أنتج فراغات قوية التأثير في مصلحة الإرهاب وقدراته وإنعاش تطلعاته التي مهما بدت خيالية بالمقاييس المألوفة فإنها واقعية على الأرض ولننظر إلى الرعب الذي يجتاح أميركا وأوروبا، والتمدد الجغرافي في ليبيا وسوريا والعراق واليمن إن أحببتم.
وكل يوم يسود فيه التردد والحسابات التي أساسها الخوف والحنين إلى عهود الخلافات والتنافس الساذج على المصالح الآنية، يكتسب الإرهاب مساحات جديدة وأنصارًا جددًا، ومن يدري لعله ينسج تحالفات سرية مع دول سيطر على عقول قادتها وهم توظيف الإرهاب دون الانتباه إلى أن الإرهاب هو من يوظف، ولو قرأنا السجالات الدائرة الآن والاتهامات المتبادلة بين المختلفين ممن يفترض أنهم أركان جبهة مكافحة الإرهاب، لتوصلنا إلى خلاصة مرعبة، وهي أن الإرهاب ليس الموضوع، بل العنوان، وتحت هذا العنوان معادلات قوة ونفوذ لا مردود لها إلا إطالة أمد هذه الحرب الغامضة والملتبسة، ما يعنيه ذلك ببساطة تدمير كيانات قائمة والتهديد بتدمير ما تبقى.
ولعل دروس السنوات الطويلة الماضية وخسائرها الفادحة وفوضاها القاتلة وترددها الذي يحمل شبهة التواطؤ، خصوصًا من قبل الدول الكونية الكبرى، لعل ذلك كله يوضع في الحسبان عند من يعقد العزم على تعديل المسارات والدخول في مرحلة حسم مهما كانت تكلفتها.
إن التحالفات التي تنشأ على أسس صحيحة، وتمتلك قدرة على الحشد القوي والمتماسك، والتي تمتلك الأرض والهدف المصيري هي المؤهلة للفوز، والبعيدة بالتأكيد عن أن يكون أصحابها هم الضحية في نهاية المطاف.
دروس الماضي وعبره جعلتنا ضحية تحالفات كثيرة، فهل آن الأوان لأن نتجنب بحكمة ووعي ومهنية كوارث الماضي ومآسيه؟