فهد الذيابي
صحافي في جريدة «الشرق الأوسط»
TT

التصعيد الروسي والاحتواء التركي

الموقف في تركيا من الأزمة السورية يواجه عدة عوامل، أهمها الغضب الذي ما زال يلازم روسيا منذ إسقاط طائرتها العسكرية، وخشية أنقرة من سعي موسكو ونظام الأسد لتغيير هوية السكان في جبال التركمان على الحدود والموالين لتركيا، بسكان آخرين يتبعون للحركات الكردية المسلحة التي دائما ما تثير قلق الأتراك، من ناحية طموحاتها، بتأسيس إقليم تنضوي تحته رايتهم على غرار كردستان العراق.
حدث مفاجئ، لم يتهيأ له حزب العدالة والتنمية الذي يحظى بحالة إيجابية في الشارع بعد فوزه بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، رافقته عدة اتهامات لتركيا بشراء النفط من «داعش»، بل إنها ذهبت لإطارات أخرى، حين انتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة التركية في سعيها نحو أسلمة البلاد.
والملاحظ أن رد تركيا في الأيام الأخيرة ينحسر، ويذهب نحو الاحتواء، وليس زيادة تعقيد الأزمة، وكأنها لا تريد الانسحاب مع التطورات، لما هو أبعد وأخطر، نحو نقاط تعلم دهاليزها أجهزة الأمن والمخابرات، فهذه المواجهات غالبا ما تحمل طابع الانتقام غير المباشر، والضرب من وراء الستار، وما يؤكد سعي القيادة التركية، نحو معالجة الأمور بهدوء، هو تعليق رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو أخيرًا، على تصريحات المسؤولين الإيرانيين، حين اتهموا بلاده أيضًا بدعم «داعش»، حيث اكتفى بالقول إنهم يمكن أن يتخذوا إجراءات ضد إيران إن لزم الأمر.
والحقيقة أن تركيا وقعت الأسابيع الماضية تحت المجهر الإقليمي والدولي، والجميع راقب السجال بينها وبين الروس، وقد ذهب بعض المعجبين بالنموذج التركي في المنطقة، بعيدا في تخرصاتهم لمآلات الأزمة، خصوصا من تيارات الإسلام السياسي، والمنتمين لجماعة الإخوان المسلمين في البلدان العربية، حين أوهموا أنفسهم بأن الفرصة قد حانت لتدخل تركي ميداني في سوريا يرجح كفة المعارضة، على حساب الروس والإيرانيين والنظام، ما ينهي معاناة الشعب السوري!
لكن المؤكد أن القادة الروس استثمروا حادث الطائرة، لتحقيق أهداف مرحلية، تضمن تجنب الفشل في المهمة السورية، وضغطوا باتجاه اكتساب الدعم اللوجيستي من دول الجوار، وفي طليعتهم تركيا، التي أقرت أخيرا، بضرورة تنسيق الضربات في سوريا تفاديا لتكرار حادث إسقاط الطائرة، ما أسفر عن تمكن موسكو من شرعنة ضرباتها، حتى لو سقطت قنابلها فوق رؤوس المدنيين.
وبالنظر للنتائج التي حققها تدخل روسيا في سوريا، فإنها متدنية ولا ترقى لحجم الطلعات الجوية حتى الآن والهالة الإعلامية التي أحاطت بالقدرات الكاسحة لطائرة السوخوي المتطورة، ما يؤكد أنها لا تستطيع الحسم وحدها، دون قلب المعادلة في الميدان الذي ما زالت الغلبة فيه للفصائل العسكرية المسلحة التي تزداد قوة وخبرة يوما بعد يوم، بعد المعارك الطاحنة التي خاضتها ضد الميليشيات الإيرانية، والتي ما زالت تسجل خسائر يومية في صفوف مقاتليها، ولم تملك بعد مضي خمسة أعوام العصا السحرية لإنهاء النزاع وإعادة تأهيل النظام، الذي فقد شرعيته على كل المستويات السياسية والإنسانية.