كليف كروك
TT

قبل أن يحدث هجوم «داعش» القادم

من ضمن الطرق التي تستطيع أن تحكم بها على فعالية سياسة معينة لمكافحة الإرهاب هي أن تسأل عن ثباتها في مواجهة أحداث متوقعة. فقد فشل أسلوب فرنسا في مواجهة هجمات «داعش» في باريس في هذا الاختبار، حيث قابلت كارثة متوقعة بأن رفعت شعار «هذا يغير كل شيء».
الرئيس فرنسوا هولاند بدا وكأنه يعنيها عندما قال إن «فرنسا دخلت الحرب»، ووعد بتدمير الإرهاب، وبالفعل شن ضربات جوية بعدها بساعات. ألم تكن فرنسا في حالة حرب قبل ذلك؟ ألم تكن فرنسا تقصف معاقل «داعش» بالفعل؟ بالطبع أي حكومة في حاجة للتعبير عن غضبها بعد هجمات مثل تلك التي رأيناها في باريس، بيد أن ترديد مقولة «هذا يغير كل شيء» يعتبر اعترافًا بالفشل في حد ذاته.
فالقتلة الذين يرفعون لواء «داعش» يخططون، بلا شك، لشن هجمات مماثلة، إن لم تكن أكبر، في الولايات المتحدة وأوروبا في الوقت الحالي، ولن تنجح الجهود في منعها كلها. والسياسة الصحيحة الواجب اتباعها بعد تلك الهجمة المرتقبة، أيًا كانت تلك السياسة، هي نفسها السياسة الصحيحة الواجب اتباعها الآن، إذ إن رد الفعل للهجوم القادم سوف يكون «هذا لا يغير أي شيء».
سوف يكون هذا النوع من الجدل خطأ في حال كان الهجوم صعب التنبؤ مثل هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، على عكس الحال الآن. بيد أن المنطق سيكون مختلفًا في حال كان التهديد الضمني من التصعيد هو إبعاد شبح «داعش» تمامًا كما لو أن فرنسا قالت: «كل شيء سيتغير إن تجرأت على مهاجمة مدننا»، لكن هذا لا ينطبق على الوضع الحالي أيضًا. فأن تقول لـ«داعش»، إن الولايات المتحدة وحلفاءها سوف يصعدون في حال تعرضوا لهجوم، فهذا يعتبر كلامًا عديم الجدوى، فالتصعيد هو ما تريده «داعش»، ولن يردها ذلك عما تفعله.
حسنًا، قد تتساءل ما الاستراتيجية المثلى إذن؟ سؤال صعب، لكن ها هي طريقة لاختصار الإجابة: على الحكومات أن تتعلم الدروس من الحرب الكارثية في العراق من دون أن تتأثر بجوانبها السلبية.
الحذر مطلوب، إذا كان لنا أن نتعلم شيئًا من الإخفاق في العراق فهذا هو الدرس. والحذر قبل أي شيء، يعني أنه على الولايات المتحدة وحلفائها أن يخفضوا سقف توقعاتهم وأن يعملوا على تحقيق أهداف محدودة قابلة للتنفيذ. فالإرهاب لا يمكن تحطيمه، بل كبحه فقط، والقوة العسكرية حتى ولو نُشرت وعُززت بكثافة، فلن تستطيع أيضًا اقتلاع التهديد. ولكن في حال استخدام القوة بتعقل وحكمة، جنبًا إلى جنب مع اتخاذ إجراءات أخرى، فمن الممكن للقوة أن تجرد «داعش» من مصادرها الحيوية وتقلل من خطرها.
في الحقيقة إدارة الرئيس أوباما حذرة إلى حد كبير أيضا، فلم تطأ قدم جندي أميركي الأرض هناك، وكان هذا هو الدرس الواضح الذي تعلمته من كارثة الحرب هناك. لكن هذه السياسة خاطئة، وإعلانها كمبدأ ملزم يعتبر تصرفًا ساذجًا، حيث إن ذلك لا يتماشى مع الوعد الذي قطعه أوباما بـ«تدمير (داعش) والقضاء عليها».
بالتأكيد، فإن نشر قوات أرضية هناك لن يضمن نجاحًا يتناسب مع التكلفة والمخاطر، لكن في حال استخدمت القوات الخاصة الأميركية والأوروبية بنوع من المرونة بالاشتراك مع سلاح الطيران فسوف تكون النتيجة مزيدًا من الفعالية في إرباك «داعش»، وبناءً عليه يتحتم على الولايات المتحدة وأوروبا أن يرسلوا أعدادًا كبيرة من قواتهم الخاصة إلى الميدان.
لكن ماذا عن المنحدر الزلق؟ بالتأكيد يشكل خطرًا حقيقيًا، غير أن الولايات المتحدة وحلفاءها يقفون على المنحدر بالفعل، فليس هناك مكان آخر ليقفوا عليه. فرفع أيدينا عن المعركة برمتها بأن نترك «داعش» تبني دولة العصور الوسطى بلا أي مضايقة ليس بوضع أفضل من خوض حرب شاملة.
الحط من قدرات «داعش» يجب أن يكون الهدف الرئيسي، فبشار الأسد شر في حد ذاته، لكنه لا يشكل تهديدًا مباشرًا على الغرب. وهدف إزاحته عن الحكم يجب ألا يمنع ظهور تحالف قوي مناهض لـ«داعش». وبدلاً من تحديد موعد لرحيله عن السلطة، يكفي من الآن العمل على الحد من العنف المروع الذي يتسبب في إرسال أعضاء جدد ينضمون لـ«داعش».
أما بخصوص الدفاع عن النفس هنا في الغرب، فأوروبا تعاني من مشكلات في جمع المعلومات الاستخباراتية وفي تعقب حركة الناس عبر حدودها الداخلية المفتوحة، كذلك تعاني من وجود أعداد أكبر من المسلمين الغاضبين والمنعزلين مقارنة بأعدادهم في الولايات المتحدة. وسواء استمرت تأشيرة شينغن للتنقل الحر أم لا، يتعين على أوروبا أن تطور من قدراتها في تأمين حدودها الخارجية وفي دخول اللاجئين وفي التعاون بشأن أعمال الشرطة والأمن.
في النهاية، في طريقة تعاملهم مع مواطنيهم من المسلمين، يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا أن تقوم بمهمة غير اعتيادية تتمثل في تحديد متى تتشدد ومتى تتساهل في أسلوب معاملتها معهم. ويجب أن يُنظر إلى أمر التعاون مع «داعش»، سواء بالسفر للانضمام إلى صفوفها أو بالتخطيط لذلك، كجريمة خطيرة تعادل الخيانة. وفى نفس الوقت، نحتاج إلى جهد دعائي في مواجهة «داعش» كي نضمن أن سمعة الغالبية العظمى من المسلمين لن تضار في عيون الغرب نتيجة لممارسات «داعش» التي أوحت للعالم أن إحدى أعظم الديانات تمجد الموت والقتل.
ومهما حدث فلن يكون هناك نصر واضح في هذه المعركة، وسوف يكون هناك المزيد من الخسائر بكل تأكيد. ولن تستطيع الولايات المتحدة وأصدقاؤها إزالة الخطر، لكنهم يستطيعون فعل أكثر مما فعلوه حتى الآن لاستيعاب هذا الخطر.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»