مارك شامبيون
كاتب من خدمة «بلومبرغ»
TT

النوع الصحيح من الحرب على الإرهاب

تمتلك الهجمات الإرهابية الكبيرة أسلوبا لإجبار الحكومات على العمل، وهذا يثبت بالفعل مع المذبحة التي وقعت في باريس مؤخرا. والسؤال الآن – وليس فقط بالنسبة لفرنسا – ما العمل؟
من السهل انتهاج طريق خاطئ، مثلما أثبتت الولايات المتحدة بـ«الحرب على الإرهاب» في العراق عقب هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. الأمر ليس مجرد كلمات. فقد قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن العملية الإرهابية المنظمة بدرجة عالية، والتي تنطوي على أصعدة متعددة، كانت فعلا من أفعال الحرب، وهي بالطبع كانت كذلك. إنما الأمر يتعلق بما ستُستخدم الكلمات لتحقيقه.
ولكننا هنا نحتاج إلى توضيح سؤالين: حرب ماذا؟ وضد من يشن «داعش» حربه؟
يكون الرد الطبيعي هو استنتاج أن «داعش» أعلن الحرب على فرنسا. لكن التنظيم يحارب قبل أي شيء المسلمين الآخرين، الذين لا يشاركونه معتقداته. وتخوض فرنسا – بل أوروبا ككل – هذه الحرب، لأنها موطن لملايين المسلمين الذين يعارضون «داعش» عسكريا، ويمثلون ما يبغضه التنظيم – المتمثل في التسامح الديني، والحداثة، والاستقرار. كما يضع التنظيم الآخرين نصب عينيه لأسباب مختلفة، لكن بالنسبة لأوروبا، تنطبق الأسباب المذكورة آنفا عليها.
إنها حرب أفكار أكثر من كونها حرب قنابل، ويعلم تنظيم داعش ذلك جيدا. وقال جيل كيبل، أستاذ ورئيس برنامج الدراسات الشرق أوسطية والمتوسطية في معهد الدراسات السياسية بفرنسا، خلال حوار أجرته صحيفة «لوموند» معه بعد الهجمات الإرهابية، إن هدف «داعش» هو إثارة الحرب الأهلية في أوروبا، مدفوعة بتلقيه الدعم من بعض المسلمين الموجودين في القارة. وكان تنظيم القاعدة يحمل نفس الهدف، عندما أطلق أبو مصعب السوري دعوته الشائنة لـ«المقاومة الإسلامية العالمية» في عام 2005. وهذا يتحقق من خلال إثارة التمييز، وحتى المذابح ضد المسلمين.
وبالفعل قبل هجوم يوم الجمعة قبل الماضية، كان اليمين الأوروبي – من حزب الجبهة الوطنية بزعامة مارين لوبان في فرنسا، إلى حركة الوطنيين الأوروبيين ضد أسلمة الغرب (بيغيدا) في ألمانيا – يطالب بسياسة عدم التسامح تجاه قبول اللاجئين السوريين، وإحياء الحدود الداخلية الأوروبية، والترحيل. وينشط اليمين الأوروبي تجاه أزمة اللاجئين، وستتعزز الثقة بمطالبه، بالنظر إلى أن مهاجما واحدا على الأقل يحمل جواز سفر سوريا، ويبدو أنه تسلل إلى أوروبا كلاجئ.
ودعا الوزير البولندي الجديد المكلف شؤون أوروبا – وهو من حزب القانون والعدالة اليميني – بلاده إلى إعادة إحياء حدودها الوطنية، وإلغاء التزامها بإعادة توطين 7000 لاجئ سوري.
لكن العدو الأقوى لتنظيم داعش في أوروبا، هو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي يصفها اللاجئون السوريون الذين يصلون إلى ألمانيا بأنها «الأم الرحيمة» لهم. وعلى النقيض من ذلك، تعتبر «بيغيدا» حليفا عن غير قصد لجهود «داعش» لإثارة الكراهية بين الطوائف، ناهيك عن النازيين الجدد الذين يشعلون النيران في عنابر نوم اللاجئين.
لذلك، إذا كانت الإجابة داخل أوروبا هي: عقد تحالفات مع الجاليات الإسلامية السائدة، حتى تتلقى الشرطة المزيد من التقارير بشأن السلوك المشبوه وتجنيد المتطرفين، وحتى لا يشعر المسلمون بالإغراء تجاه رسالة المتطرفين التي تعود للعصور الوسطى، فماذا عن الوضع في سوريا؟
يكمن أحد الردود التي أثارتها الهجمات بالفعل في توافق القوى العالمية على وضع جدول زمني للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا. ويمكن للحرب في سوريا أن تنتهي فقط، إذا توافقت القوى الخارجية - التي تغذي الحرب - على الطرف الذي تقاتله. ويجب تدمير «داعش» في سوريا والعراق – فمن أسباب نجاح التنظيم في النجاة، أن القوة الجوية المشتركة للولايات المتحدة والائتلاف الذي تقوده، تجعله فاتنا وجذابا للمجندين الشباب. وهذا سوف يستلزم جهدا عسكريا أكبر. لكن ينبغي إنجاز ذلك كجزء من خطة أوسع لمساعدة المسلمين المعتدلين الذين يرفضون «داعش» والمتطرفين الآخرين.
ويشعر السوريون السنة، بالاستياء بالفعل من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، لسبب وجيه، وهو أن تلك القوى في سوريالم تتدخل، ولم تسلح أو تدرب الميليشيات، قبل شغل المتطرفين الفراغ الناجم عن الحرب، كما أنها لم تخلق مناطق حظر طيران، ولم تدمر القوة الجوية للأسد بحيث لا تتمكن من إلقاء المزيد من البراميل المتفجرة على السوريين، وكذلك لم تتسارع أوروبا – باستثناء المملكة المتحدة – إلى التحدي المتمثل في تمويل الجهد الدولي لتغذية وإسكان وتعليم أربعة ملايين لاجئ سوري.
وتسبح كل قطعة من هذه الأجندة ضد تيار السياسة الأوروبية الحالية، لذلك فإني أشك في اتخاذ الخيار الخاطئ في كل فرصة ممكنة. وإذا كان الأمر كذلك، فإننا في نموذج حرب طويلة وسيئة.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»