محمد مصطفى أبو شامة
كاتب وصحافي مصري
TT

هستيريا «شرم».. وعملية إعدام «بلبل»

مصادفة إنجليزية تكمن في معنى كلمة (Charm)، والتي تعني بالعربية "جمال" أو"سحر" أو"روعة"، ورغم أن (Sharm) آخرى هي التي أصبحت فجأة "لبانة" تلوكها كل أفواه شعوب العالم، فإن المصادفة استوقفتني للحظات لأن مدينة (شرم الشيخ) المصرية كانت بحق مدينة رائعة وساحرة وجميلة، وكان من الصعب أن تجد مكانا فيها خلال هذا الوقت من العام، قبل أن يغدر بها وبنا الإنجليز ويطعنوها في أعز ما تملك وهو "السلام" الذي كان يميز هذا المنتجع الفريد، ويمنحه قدرا من الأمان على عكس مدن آخرى في شبه جزيرة سيناء تعاني من حرب شرسة يخوضها الجيش المصري ضد تنظيمات إرهابية تتزعمها "جماعة أنصار بيت المقدس" المسماة بـ "ولاية سيناء" منذ مبايعتها لتنظيم "داعش".
وبدا واضحا أن المدينة الحزينة ستعود إلى سابق معاناتها في السنوات العجاف التي أعقبت الثورة على مبارك ونظامه، ففقدت المدينة الشهيرة مكانها ومكانتها كأبرز المقاصد السياحية في العالم، وأنحدر بها الحال لتصبح ساحلا محليا "مهملا"، كأن البعض أراد أن ينتقم من المدينة التي كان يفضلها الرئيس الأسبق وأسرته ويقيم فيها معظم شهور العام.
وارتاح تفسير المؤامرة المصري، إلى تحميل التاج البريطاني "فاتورة" الخسائر التي سببها إعلان حكومة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بإعادة كل السياح الإنجليز من شرم الشيخ إلى بلادهم فورا، بعد ساعات من وصول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى لندن، في زيارته الأولى والمرتقبة إلى العاصمة البريطانية؛ وهو القرار الذي أضطر دولا أوربية لتقليده، ولكن آخر ما توقعه المصريون هو أن تكون روسيا "الصديقة" و"الحليفة" في قطيع هذه الدول، خاصة مع ما يبدو من شواهد الأحداث وتسريب التسريبات الأميركية ونفخ "منافيخ" الإعلام الغربي وعملائه في الشرق، من أن حاكم موسكو هو المقصود بتفجير طائرة شرم الشيخ، إذا اتفقنا مع الرواية الهوليودية الأميركية، التي منحت شرف التفجير للدواعش العلوج، ردا على تمدد الدور الروسي في سوريا (عسكريا وسياسيا).
ولأن تفسيرات المؤامرة، تتجلى وتتصاعد في الذهنية العربية التي تقضي معظم حياتها متنقلة بين فضائيات الدراما العربية وقنوات السينما الأميركية، فإن الحبكة الدرامية تصل إلى ذروتها بتركيع مصر (كما يتمنون) التي يبدو أنها تجسد في هذا الفيلم دور "كبش الفداء" الذي يصطاده "فتوات" الغرب في أحدى دهاليز السياسة المخابراتية المظلمة وينهالون عليه ضربا، لإيصال رسالة إلى فتوة آخر .. هي روسيا، وللأسف فإن هذا النوع من الرسائل يتحمل ثمنه "الغلابة"، فقد مات أكثر من 200 مواطن روسي ليس لهم أي ذنب بكل ما يحدث، وسيتشرد الآف المصريين من الذين ارتبطت معيشتهم بعوائد السياحة، وربما يصبح كثيرين منهم مؤهلين بعد ذلك ليتحولوا إلى الإرهاب عندما يطحنهم الفقر والعوز.
ولأن السينما حاضرة في حديثنا بوضوح، أذكركم برائعة المخرج المصري علي بدر خان فيلم "شفيقة ومتولي" الذي لعبت بطولته الراحلة سعاد حسني عام 1978، عن قصة من أشهر قصص التراث المصري، ويعتبر الفيلم علامة في تاريخ السينما المصرية؛ فقد أنتجته أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) وكتب له السيناريو والحوار الفنان صلاح جاهين بمشاركة الأديب الشعبي شوقي عبد الحكيم، ولعب دور "متولي" عملاق التمثيل الراحل أحمد زكي، وتدور القصة حول السخرة وقت حفر قناة السويس "القديمة" في عهد الخديوي سعيد، لتنتهي أحداث الفيلم باتهام الحكومة المصرية - وقتها - بالتسبب في مقتل عدد كبير من المصريين أثناء عملية الحفر، وتتفجر ضجة عالمية كبيرة تسبب حرجا للخديوي والشركة الفرنسية المالكة للقناة وكبار رجال الدولة المستفيدين من هذا المشروع "والضجة تثيرها حكومة لوندرة (بريطانيا)"، فيتم تشكيل لجنة دولية للتحقيق في القضية، ولكي ينجو أحمد بك الطرابيشي أحد الأكابر الذين يقومون بتوريد العمال لحفر القناة بالسخرة، يتم تحميل التهمة إلى خادمه الساذج "بلبل"، ويصدر الحكم عليه بالإعدام من قبل اللجنة الدولية والتي تتهمه بالتسبب في قتل 50000 بالعطش، ولحظة إعدام بلبل يصرخ بكلماته الأخيرة: "أنا مظلوم يا عالم.. الله يخرب بيتك يا طرابيشي بيه".