روث ماركوس
صحافية اميركيّة
TT

بعد «السيلفي».. ميركل تواجه معضلة المهاجرين

عبد الإله الحجار من أشد المعجبين بأنجيلا ميركل، وهذا أفضل تقدير للمستشارة الألمانية، لكنه أكبر تهديد لها أيضًا. ومثله مثل الكثيرين الآخرين المحتشدين في مركز استقبال اللاجئين بالعاصمة الألمانية برلين، رأى الشاب السوري (البالغ من العمر 21 عامًا) صورًا لميركل وهي تقف بجانب المهاجرين لالتقاط صور «السيلفي»، وشعر بدفء رسالتها الترحيبية من أعماق قلبه.
أخبرني الحجار، وهو طالب هندسة مدنية، حينما كان ينتظر عملية تسجيل اسمه، وهي خطوة بسيطة لم تُنجز حتى الآن رغم وصوله قبل أسبوع: «سوف نتلقى معاملة جيدة هنا».
ونستوعب من خلال التحدث مع الحجار واللاجئين الآخرين حجم التحدي الذي يواجه المستشارة الألمانية، وعدد المهاجرين الذين يصلون إلى ألمانيا بمعدل 10 آلاف شخص في اليوم، حيث يفر الكثيرون من العنف والحرب الأهلية والاضطهاد، فيما يسعى الآخرون ببساطة إلى حياة أفضل في هذه الدولة المزدهرة.
وذكر رجل عراقي (يبلغ من العمر 53 عامًا) أنه عمل مع القوات الأميركية، ولم يعد بمقدوره العيش هناك بسلام. وأزاحت امرأة صربية (تمسك بيد طفلها) ياقتها للكشف عن الكدمات التي تسبب فيها زوجها الذي يسيء معاملتها. ولا يستطيع ثلاثة أشقاء فلسطينيين العثور على عمل في بلادهم. ويشعر شاب أفغاني في مقتبل العمر (يبلغ من العمر 20 عامًا) - قُتِل والده على أيدي حركة طالبان - بالحيرة تجاه المكان الذي يمكن أن تنام فيه والدته في تلك الليلة.
ويستلزم هذا التدفق الهائل للاجئين مواد لوجيستية بكميات ضخمة، والأهم من ذلك إنه يمثل اختبارًا مجتمعيًا وسياسيًا لدولة مكرّسة للحفاظ على النظام.
على المستوى المجتمعي، تتعلق المسألة بكيفية دمج هؤلاء الأشخاص المتنوعين في مجتمع متجانس نسبيًا ومختلف تمامًا، وهي مهمة تخبطت فيها ألمانيا قبل عدة عقود مع العمال الأتراك الوافدين. وتعتبر الولايات المتحدة، رغم كل الضجة المثارة حول الهجرة غير الشرعية، تجمُّعًا من المهاجرين، مع استخدامها الاستعارة «بوتقة الانصهار» كقاعدة تأسيسية. لكن بالنسبة لألمانيا، لا يعد المهاجرون «جزءًا من تكوينها»، بحسب استريد زيبارث، الباحثة في شؤون الهجرة بصندوق مارشال الألماني في الولايات المتحدة.
أما على المستوى السياسي الأكثر إلحاحًا، فتتعلق المسألة بكيفية إخماد مشاعر القلق والمخاطر السياسية التي يفرضها وجود المهاجرين. وكان رد الفعل الأولي لميركل إيجابيًا إلى حد كبير، مع توافد الألمان على محطات القطار بالغذاء والملابس لاستقبال المهاجرين. ولا تزال تلك الغريزة الخيرية تظهر في مركز استقبال اللاجئين، بجانب انتشار الخدمات التطوعية في القرى بنشاط.
ومن السهل للمراقبين الأميركيين تفسير رد الفعل هذا كتعويض فعلي عن فظائع الحرب العالمية الثانية. ويعد أفضل تفسير هو أنه يوضح فخر الألمان ببروز بلادهم زعيمة للقارة الأوروبية. ولم تعد ألمانيا دولة عليلة كما كانت عليه في فترة ما بعد إعادة التوحيد.
أخبرتني زيبارث: «إنه جيل ميركل. الشعب يحقق نجاحات اقتصادية رائعة، ويشعرون بأنهم يريدون القيام بأي عمل تطوعي».
لكن، ومع عدم ظهور أي علامة على التراجع في تدفق المهاجرين، أفسح الموقف الإيجابي الطريق للقلق المتزايد، وأحياناً العنف. وتقلب الرأي العام، مع قول الأغلبية الآن إنهم يخشون التدفق، وتراجع الرضا عن أداء ميركل بـ26 نقطة منذ أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن كانت النسبة مدهشة عند 75 في المائة. وفي بافاريا، التي تلقت الجزء الأكبر من اللاجئين، انتقد هورست زيهوفر - رئيس وزراء ولاية بافاريا، والحليف لميركل عادة - سياستها تجاه المهاجرين بحدة.
وأذهلت جرأة ميركل الألمان، نظرًا لأنها تتسم بالحذر الشديد، لدرجة أنهم استحدثوا مصطلح «ميركلن»، بمعنى أن تكون غير حاسم أو ممتنعًا عن الإدلاء بآرائك. وقد تكشف خلفية ميركل (نجلة قسّ، ومتعاطفة من ألمانيا الشرقية مع هؤلاء الفارين من القمع) بعض تعاطفها غير المعهود مع المهاجرين.
ومع ذلك، حتى في هذه الحالة، قد تكون الإنسانية برزت بمحض الصدفة، بعد أن أخفقت ميركل في فهم كيف أن كلماتها المهدئة (وصور السيلفي) انتقلت بسرعة إلى اللاجئين الذين يحملون هواتف جوالة.
وبالمثل، اعتبر المهاجرون تصريحها بتوقع استقبال ألمانيا 800 ألف مهاجر هذا العام (وقد يقترب العدد النهائي من مليون) بمثابة دعوة ترحيبية، وليس بيانًا عن الواقع.
وعلى مدى الأسابيع الأخيرة، تحرص ميركل على التأكيد أن كرم ألمانيا وقدراتها لها حدود. وفي حين أن الدولة لديها التزام قانوني بإيواء اللاجئين، فإنها قالت: «لا نحمل على عاتقنا مهمة الحفاظ على حياة كل واحد هنا».
وخلال الأسبوع الماضي، توصلت ميركل إلى اتفاق مع زيهوفر بشأن إنشاء «مناطق عبور» على الحدود للتعامل مع طلبات اللجوء فقط لمواجهة التمرد من جانب شركائها في التحالف الاجتماعي الليبرالي، الذين نددوا بالمواقع المقترحة باعتبارها مثل السجون. وبدلا من ذلك، سيكون هناك «مراكز استقبال» داخل ألمانيا، مع إزالة هؤلاء القادمين من بلدان «آمنة» بشكل أسرع، وبالأخص دول البلقان، بجانب فرض قيود على لمّ شمل الأسر.
وأثارت الاضطرابات تساؤلات حتمية بشأن مخاطر المستقبل السياسي لميركل. ربما، لكن المستشارة (وهي الآن في فترة ولاية ثالثة) شخصية بارزة، وليس لديها خليفة أو منافس واضح. وهي تفضل أن تقول عن أزمة اللاجئين: «يمكننا إدارة الأزمة». وليس من الحكمة أبدًا الرهان ضد المهارات الإدارية لميركل.
* خدمة «واشنطن بوست»