جوش روغين
صحفي أميركي
TT

ما موقف واشنطن بعد قدوم الروس إلى سوريا؟

خلصت إدارة الرئيس أوباما وأجهزة الاستخبارات الأميركية إلى أن روسيا سوف تبدأ في تنفيذ المهام القتالية الجوية من قاعدة جوية جديدة لها داخل سوريا، ولكن هناك خلافا داخل الحكومة الأميركية حول ما يتعين عليهم القيام به إزاء ذلك.
عقد اجتماع لكبار المسؤولين يوم الخميس في البيت الأبيض على مستوى لجنة نواب مجلس الأمن القومي الأميركي لبحث كيفية الرد المناسب على الزيادة المطردة في عدد الأفراد والمعدات العسكرية الروسية في مدينة اللاذقية، وهي المدينة الساحلية السورية الخاضعة لسيطرة حكومة بشار الأسد. ولقد دعا الرئيس أوباما مسؤولي الأمن القومي في حكومته، لإعداد خطة في أقرب وقت ممكن، في الوقت الذي تتواصل فيه تقارير الاستخبارات حول الخطط الروسية لبناء قاعدة جوية هناك. والخيارات المطروحة تتمثل في محاولة مواجهة روسيا في الداخل السوري، كما يدعو البعض داخل أروقة البيت الأبيض، أو التعاون مع روسيا هناك في المعركة القائمة ضد تنظيم داعش الإرهابي.
بدأت وزارة الخارجية الأميركية بالفعل في اتخاذ خطواتها لمواجهة التحركات الروسية، على سبيل المثال، عن طريق مطالبة كل من بلغاريا واليونان رفض السماح بتحليق الطائرات الروسية المتجهة إلى سوريا عبر أجوائهما. غير أن وزارة الخارجية اتخذت تلك الخطوات من تلقاء الذات، ولما علم الرئيس أوباما بالأمر أعرب عن استيائه من الوزارة بسبب عدم متابعة المسار الاعتيادي المشترك بين الوكالات الحكومية الأميركية في ذلك الصدد، على نحو ما أفاد به بعض المسؤولين هناك. ويريد الرئيس من فريق الأمن القومي الأميركي أن يصل إلى توافق في الآراء في أقرب وقت ممكن من الأسبوع المقبل.
بالنسبة لبعض المسؤولين داخل البيت الأبيض، فإن الأولوية تكمن في حشد المزيد من الدول في القتال ضد تنظيم داعش، كما أنهم أعربوا عن قلقهم من تعريض العلاقات الأميركية الروسية إلى مزيد من التوتر. وإنهم ينظرون بجدية في قبول التصعيد العسكري الروسي في المنطقة كأمر واقع، ثم العمل مع موسكو لتنسيق الغارات الجوية الأميركية الروسية في شمال سوريا، وهي المنطقة التي تقود الولايات المتحدة فيها جهود قوات التحالف الدولي بصورة يومية.
وبالنسبة للكثيرين داخل إدارة الرئيس أوباما، وعلى الأخص أولئك المعنيين بالملف السوري، فإن فكرة قبول المشاركة الروسية في القتال ضد «داعش» تعد أقرب ما تكون بالاعتراف الصريح بأن جهود إسقاط نظام حكم الرئيس السوري قد فشلت. بالإضافة إلى أنهم يخشون أن روسيا سوف تهاجم الجماعات السورية المعارضة التي تحارب نظام الأسد مستخدمة الحرب ضد تنظيم داعش كغطاء لذلك.
يقول أحد المسؤولين بالإدارة الأميركية، إن «النيات الروسية هي الاحتفاظ بالأسد على رأس الحكومة، وليس محاربة (داعش). لقد ظهرت بطاقاتهم على الطاولة الآن».
تُظهر الاستخبارات الأميركية في الوقت الحالي أن روسيا تخطط لإرسال قوة عسكرية إلى سوريا قادرة على ضرب الأهداف البرية. ولقد أخبرني مسؤولان أميركيان أن أجهزة الاستخبارات الأميركية جمعت أدلة تفيد بأن روسيا تخطط لنشر مقاتلات «ميغ 31» و«سوخوي 25» في اللاذقية خلال الأيام والأسابيع القادمة. وتتضمن المعدات العسكرية التي وصلت سوريا بالفعل أبراج مراقبة الحركة الجوية، ومعدات صيانة الطائرات، ووحدات الإعاشة لمئات من الأفراد.
أجرى وزير الخارجية الأميركي جون كيري اتصالا هاتفيا بنظيره الروسي سيرغي لافروف السبت الماضي لحثه على إيقاف الحشد العسكري الروسي في سوريا، غير أن الوزير الروسي أخبر السيد كيري بأن المؤسسة العسكرية الروسية لا تفعل شيئا خطأ وأن الدعم الروسي لسوريا لن يتوقف.
يعد ذلك تحولا في الأحداث عما كان عليه الوضع خلال هذا الصيف. ففي يوليو (تموز)، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا بالرئيس باراك أوباما، ووفقا لما أفاد به السيد أوباما، كان الرئيس الروسي قد بدأ في التحرك بعيدا عن مساندة الرئيس السوري الضعيف.
ولقد صرح الرئيس أوباما لصحيفة «نيويورك تايمز» قائلا: «أعتقد أنهم يساورهم شعور بأن الأسد يفقد قبضته تدريجيا على مساحات أكبر وأكبر من الأراضي السورية بمرور الوقت، وأن هزيمة النظام الحاكم السوري ليست وشيكة الحدوث، ولكنها باتت التهديد الأكبر يوما بعد يوم. مما يمنحنا فرصة جيدة لإجراء محادثات جادة معهم».
ولكن منذ ذلك الحين، ظل الرئيس الروسي بعيدا عن إجراء أي حوار جاد مع الولايات المتحدة، حيال التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية. وفي الوقت الذي بدأت التعزيزات العسكرية الروسية في الوصول إلى سوريا الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الروسي على الملأ أن الرئيس السوري بات مستعدا للتفاعل مع أطياف المعارضة «الصحية»، وهو الموقف الذي يبتعد كل البعد عما كانت تروج له الولايات المتحدة، والذي من شأنه جلب حركات المعارضة السورية المدعومة من جانب الولايات المتحدة إلى جولة جديدة من المفاوضات مع النظام السوري الحاكم.
أخبرني السيناتور بن كاردين، النائب الديمقراطي البارز في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي يوم الأربعاء قائلا، إن «الدعم الروسي لنظام الأسد ليس مفيدا في شيء على الإطلاق، بل سوف يعود بنتائج عكسية.
يخطط الرئيس الروسي للتركيز على مكافحة «الإرهاب» في خطابه في وقت لاحق من هذا الشهر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. كما تعتزم روسيا كذلك استضافة اجتماع على مستوى الوزراء على هامش الاجتماعات يدور حول مكافحة التطرف، والذي تصفه بأنه سوف يضم كل الجماعات التي تقاتل نظام الأسد في سوريا، ومن بينها المدعومون من الولايات المتحدة.
هناك حالة من القلق داخل أروقة الإدارة الأميركية، حتى بين أولئك الداعين إلى مواجهة الإجراءات الروسية في سوريا، ومنشؤها أن الولايات المتحدة لا تتمتع بالنفوذ الكافي لمواجهة التحركات الروسية. فإذا ما قرر الرئيس أوباما عدم قبول وجود القوات الجوية الروسية في سوريا، فسوف تكون أمامه عدة خيارات، ولكل منها عيوبه أو قيوده.
يمكن للولايات المتحدة فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، على الرغم من أن العقوبات الدولية الحالية والمتعلقة بالأزمة في أوكرانيا لم تغير من حسابات الرئيس الروسي في شيء، وهناك فرصة ضئيلة للغاية في أن تنضم الدول الأوروبية إلى جولة جديدة من فرض العقوبات على روسيا. وقد توجه الولايات المتحدة تحذيرا إلى روسيا أن قاعدتها الجوية الجديدة في سوريا، هي من قبيل المبررات الكافية لكي تزيد المعارضة من هجماتها، ولكن ذلك التحذير قد يدفع السيد بوتين إلى مضاعفة نشر قواته العسكرية هناك. ويمكن أيضا للولايات المتحدة محاولة إيقاف تدفق الأسلحة الروسية إلى سوريا، ولكن ذلك قد يعني الضغط على دول مثل العراق للوقوف في وجه بوتين وإيران، وقد لا يوافق الجانب العراقي على ذلك.
صرح السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الأربعاء الماضي قائلا إنه «قد يحاول فرض العقوبات على روسيا من جانب الكونغرس الأميركي إذا لم تتحرك إدارة الرئيس أوباما في ذلك الاتجاه». وأضاف أن «التدخل العسكري الروسي في سوريا من شأنه أن يزيد من تفاقم التهديدات الإرهابية ومشكلات اللاجئين السوريين بأسوأ مما عليه الوضع الآن».
وتابع النائب الجمهوري يقول «إنها فرصتنا لصفع روسيا وبقوة، لأن ما يقومون به يعرض أمن أميركا للخطر. إن الروس يوجهون صفعات للرئيس أوباما ولوزير خارجيته كيري. إنها إهانة كبيرة لجهودهما ومحاولة الوصول إلى تسوية دبلوماسية في سوريا. كما أنهم يزيدون من احتمالات بقاء الأسد في السلطة، مما يعني ألا تصل الحرب السورية إلى نهاية أبدا».
إن مخاوف البيت الأبيض من تصاعد حدة التوتر مع الجانب الروسي داخل سوريا مخاوف مشروعة فعلا، ولكن التعاون مع القوات الروسية على الأرض أو في الجو من شأنه تقويض كافة مستويات المصداقية المتبقية لدى الولايات المتحدة لدى المعارضة السورية ولدى دول الخليج العربي الداعمة لها. قد لا تتمكن الولايات المتحدة من إيقاف مشاركة روسيا في القتال بالحرب الأهلية السورية، ولكن على أدنى تقدير لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تظهر بمظهر المتواطئ مع موسكو. فإذا ما حدث ذلك، فسوف تتأكد الشكوك بأن الرئيس أوباما يعمل فعليا، وبصورة غير مباشرة، على المحافظة على نظام حكم الرئيس الأسد.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»