هل فشلت الأمم المتحدة في حلّ النزاعات الدولية؟ وهل فشل الاتحاد الأوروبي في حلّ المشكلات الأوروبية؟ وهل فشلت جامعة الدول العربية في حلّ الأزمات العربية؟ وهل فشل الاتحاد الأفريقي في حلّ الأزمات الأفريقية؟
وبلا ملل، هل فشل «الصليب الأحمر» و«الهلال الأحمر» في مساعدة الناس، في نحو 150 دولة عانت وتعاني من الكوارث الطبيعية والأوبئة والتهجير القسري ونزوح اللاجئين في الحروب الأهلية؟
من الصعب أن نجزم بأن هذه المنظمات «فشلت» في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؛ فالعالم كله بقاراته ومحيطاته وجزره يشكو من معاناة ضحايا الحروب والنزاعات والكوارث.
حين تندلع النيران في الشرق الأوسط، فإن سفراء أكثر من 40 دولة يتحدثون في القاعة الكبرى للأمم المتحدة، بالإضافة إلى أعضاء مجلس الأمن، وفي نهاية الجلسة آخر الليل يغلق المندوبون حقائبهم ويتبادلون التحيات، كأن شيئاً لم يكن!
لا يخفى على المندوبين في الأمم المتحدة أن عملية صنع القرار في مجلس الأمن أو الجمعية العامة تعاني من شقاق بين القوى الكبرى، وتذهب سدى مطالب وقف إطلاق النار بشكل فوري وغير مشروط، في أي أزمة أو حرب؛ رغم الرحلات المكوكية والدبلوماسية والمكالمات الهاتفية السريعة.
وتبدأ وسائل الإعلام في انتقاد الأمين العام بأنه غير فعّال في منظمة عقيمة، وهو انتقاد لا بد منه؛ لأن الدول الأعضاء غير متعاونة، ويبدو مبنى الأمم المتحدة المكون من 39 طابقاً في نيويورك كأنه برج بابل الذي يُسند إلى سلالة النبي نوح، في بلاد ما بين النهرين، أي العراق، وقد بناه الملك البابلي الشهير نبوخذ نُصّر.
لقد تجدد الغضب الفلسطيني المشروع تجاه إسرائيل التي لا تكف عن العدوان على أصحاب الأرض. ولا يخفى على أحد أن الولايات المتحدة الأميركية هي «حزام الظهر» لإسرائيل، في كل عدوان على الفلسطينيين.
يقول مصطفى البرغوثي، رئيس حزب «المبادرة الوطنية» الفلسطيني، إن الفلسطينيين أصبحوا يائسين من الوضع السياسي، بسبب «أننا كنا منذ عام 1967 تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي لمدة 56 عاماً، ولم يقم المجتمع الدولي بأي خطوة لإنهاء هذا الاحتلال، أو بما يسمى حل الدولتين الذي ترفضه تل أبيب، وتَراجع عنه كما يبدو البيت الأبيض الأميركي، ولم تتبناه الأمم المتحدة».
وبذلك نعود إلى بداية الدوامة: هل فعلاً فشلت الأمم المتحدة في حلّ القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي الإرهابي بالغ القسوة والوحشية؟ وهل فشلت جامعة الدول العربية في وضع حدّ لمسلسل الاجتياح الإسرائيلي شهراً بعد آخر؟ وقد يكون هذا المطلب أكبر من إمكانات الجامعة العربية؛ لأن المأزق سياسي وعسكري شبه معقد.
مع ذلك يجب ألا تُترك السلطة الفلسطينية وحيدة في الميدان، فهي بحاجة ماسّة إلى إسناد عربي مادي ومعنوي ودولي، لإعادة الإعمار، وإطلاق سراح المعتقلين، ومنع الجيش الإسرائيلي وميليشيات المستوطنين من شن أي غارات على المخيمات الفلسطينية المدنية؛ سواء في الضفة الغربية أو غزة.
القضية الفلسطينية ليست الحرب السودانية، ولا الحرب اليمنية، ولا الحرب الروسية على أوكرانيا، ولا احتلال جزيرة القرم، ولا الحرب السورية التي انتهت والحمد لله. القضية الفلسطينية أكثر أهمية من المفاعلات النووية الإيرانية، أو انتخاب رئيس لبناني يُرضي معظم الأطراف، أو مصير مجموعة «فاغنر» الروسية.
لا تتركوا الإسرائيليين المستوطنين المسلحين ينفردون بالمدنيين الفلسطينيين العزل، من دون تمييز بين رجل وامرأة وشيخ وطفل.
قالت خبيرتان أمميتان مستقلتان إن «الضربات الجوية والعمليات البرية التي نفذتها القوات الإسرائيلية في مخيم جنين، يمكن أن تصل إلى جرائم حرب».
وفسّرها ميثاق محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية لعام 1945 التي حاكمت مجرمي النازية الألمانية، بأنها الانتهاكات لقوانين الحرب أو القانون الدولي، بما في ذلك قتل مدنيين أو قتل أسرى حرب في أرض محتلة، أو إساءة معاملتهم، أو قتل رهائن، أو سلب ملكية خاصة، أو التدمير غير الضروري عسكرياً.
لقد فعلت إسرائيل ذلك كله على أي حال من دون مساءلة ولا إدانة ولا محاكمة ولا خشية من أحد، إلى درجة الاستهتار بكل القيم والمقاييس الإنسانية. وهي تفعلها باستمرار داخل فلسطين المحتلة أو خارجها.
ومثلما دخلت القوات العسكرية الغازية إلى مخيم جنين خرجت بعد تدميره براً وجواً، مع «تلويح» بالعودة. إنه «الباب الدوّار» في غياب الأمم المتحدة والدول العربية والمنظمات الإنسانية. لقد بلغ التحدي الإسرائيلي حدّ الإعلان مقدماً عن العودة إلى المخيم في أي وقت من دون أي رادع دولي لمنع تكرار جرائم الحرب.
إنه «الباب الدوّار» أيها السادة.