في ضوء تطورات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، استكمل الفريق العربي في مجال حماية المنافسة أعماله، حيث تم الانتهاء من إعداد خطة عمل لتنفيذ بروتوكول التعاون في مجال المنافسة بين الدول العربية، كما تم إعداد القانون الاسترشادي العربي للمنافسة ليكون نموذجا تسترشد به الدول الأعضاء في إعداد أو تعديل قوانينها الوطنية الخاصة بالمنافسة، إذ دعا تجمع دولي عقد في العاصمة السعودية الرياض لضرورة توجيه صنع سياسات المنافسة وإنفاذها في المنطقة العربية، وذلك بما يسهم في تحسين النمو الاقتصادي والحوكمة، ويتماشى مع أهداف التنمية المستدامة، ودعم صانعي القرار في جهودهم لتعزيز سياسات المنافسة على المستوى الوطني، ولتحفيز التعاون الإقليمي بين سلطات المنافسة. وانطلقت أعمال منتدى المنافسة الرابع للمنطقة العربية في الرياض، الذي تنظمه لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) بالشراكة مع الهيئة العامة للمنافسة في المملكة العربية السعودية، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والجامعة العربية، الاثنين 22 مايو (أيار) 2023.
ويشار إلى أن المنافسة في الأعمال التجارية هي التنافس بين الشركات التي تبيع منتجات مماثلة أو تستهدف نفس الجمهور للحصول على المزيد من المبيعات وزيادة الإيرادات واكتساب المزيد من الحصة السوقية مقارنة بالآخرين، وعادة ما تكون المنافسة في مجال الأعمال التجارية حقيقة في سوق مربح، حيث تنتج العديد من الشركات المتنافسة منتجات مماثلة، وتبيع من خلال قنوات بيع مماثلة، وتستهدف نفس الجمهور، ويمكن تصنيف هذه المنافسة إلى المنافسة المباشرة، حيث المنافسون المباشرون هم البائعون الذين يبيعون نفس المنتجات لنفس الجمهور ويتنافسون على نفس السوق المحتمل.
وكشف تقرير الأطر التشريعية لبيئة الأعمال في الدول العربية في 2021، أن معظم الدول تفتقر إلى مؤسسات مستقلة لإنفاذ سياسات المنافسة وحصلت على درجة 3.73 من 7، ما يشير إلى ضرورة إجراء إصلاحات كثيرة من حيث التنظيمات والأطر عند مقارنة وضع المنطقة العربية بأفضل الممارسات العالمية.
إن المنتدى العربي الرابع للمنافسة يطمح إلى تطوير وتحسين أنظمة وتشريعات المنافسة في المنطقة العربية، وذلك ليكون له الأثر العظيم في تعزيز رفاهية المواطن العربي ورفع مستوى جودة ووفرة السلع والخدمات وأهمية التعاون العربي في حماية المنافسة العادلة في المنطقة العربية، مؤكداً على جهود المنظمات الدولية المختصة والخبراء المشاركين لطرح تجاربهم الثرية. ويذكر أن السعودية أصبحت من الدول المتقدمة في قواعد المنافسة ومكافحة الاحتكار، وتدعم الدول العربية من أجل تحقيق نتائج قياسية في هذا المجال وضمان النمو المستدام والابتكار لتصبح الأسعار في متناول الجميع، إلى جانب الجودة والتنوع في السلع والخدمات المتاحة في الأسواق.
ويوجه المنتدى الدول إلى طرق وأساليب تعزيز قواعد المنافسة الهامة في منظومة الإصلاحات الاقتصادية، وتساعد السعودية الدول المتأخرة في هذا المجال لتصبح متقدمة في قواعد المنافسة ومكافحة الاحتكار. ويشكل المنتدى فرصة للحوار بين مشاركين من الدول الأعضاء ومنهم ممثلون عن سلطات المنافسة في المنطقة، بالإضافة إلى خبراء دوليين معنيين بسياسة المنافسة وإنفاذها، وستستفيد سلطات المنافسة في الدول العربية من التعلم بناءً على دراسات الحالة الدولية وأفضل الممارسات التي يقدمها نظراؤهم من مختلف الدول.
والضرورة تحتم إمّا أن نواصل المسار الحالي بتبني سياسات منافسة محدودة النطاق، وإمّا نتبنّى المنافسة كمحفّز للنشاط الاقتصادي والتقدّم الاجتماعي ونتّخذ موقفاً استباقيّاً في تعزيز المنافسة العادلة، وتذليل العوائق، وإنشاء بيئة تشجّع الابتكار وتسمح لجميع المشاريع، مهما كان حجمها، بالتوسّع والازدهار.
ويشار إلى تسليط الضوء على الدور المفصلي لسياسات المنافسة في تحفيز الكفاءة والقدرة الإنتاجية وتعزيز النمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة، ورفاهية المستهلك وتطوير وتحسين أنظمة وسياسات وتشريعات المنافسة، في المنطقة العربية، إذ سيكون لها أثرٌ كبير على تعزيز رفاهية المواطن العربي، من خلال تحسين مستوى الأسعار ورفع جودة ووفرة السلع والخدمات وتعزيز التطوير والابتكار. ويذكر أن هناك قلقا متزايدا بشأن تأثير الاقتصاد الرقمي على التجارة الدولية والتنمية في هذا العالم المعولم والرقمي.
وفي الختام، تشكل السياسات واللوائح التنظيمية المتعلقة بالمنافسة عناصر جوهرية في النُظم الاقتصادية على كل الصُّعد، الوطني والإقليمي والعالمي. ولكن في الدول العربية، يشكل عدم كفاءة الاقتصادات وتركزها الشديد، والتواطؤ، واستئثار النخبة القليلة بالسلطة الاقتصادية، والسعي العام إلى الريع عوامل حالت دون اعتماد قوانين المنافسة والاحتكار وإنفاذها، ما يعيق الحد من عدم كفاءة هياكل السوق ونُظم الحوكمة الاقتصادية. وبالتالي، فإن المنطقة العربية بحاجة إلى سن وإنفاذ القوانين التي تعزز المنافسة ومكافحة الاحتكار، وإلى وضع لوائح تنظيمية فعالة للسوق، من أجل تهيئة البيئة الملائمة للأعمال التجارية وتشجيع الاستثمارات وتحسين الأداء الاقتصادي والنمو وتحفيز الإبداع.