بوصفنا عرباً، لا أظن أننا في تاريخنا الحديث مررنا بأوضاع سيئة مثل ما نمر به الآن، حتى في زمن الاستعمار كانت أوضاع العالم العربي أفضل منه الآن، ففي زمن المستعمر ظهرت قيادات وطنية التف حولها المجاهدون لتحرير بلدهم من الاستعمار، من أمثال عرابي والمختار، وكانت هذه القيادات توحد الشعب لتحقيق الهدف وهو التحرر من الاستعمار.
وكان حلم الشعوب العربية بعد التحرر من المستعمر هو تحقيق الرفاه، عبر خلق اقتصاد قوي بصفة المستعمر ناهباً للثروات الوطنية، ثانياً خلق قيادة وطنية عينها على البلد تسعى لتقدمه وازدهاره لأن الوطن وطنها، فهل تحقق ذلك؟
للأسف الشديد هذا لم يتحقق، بل تشرذم الوطن العربي وتقسم، وسادته الفوضى ولم نعد نطمح بحياة رائعة ومرفهة، بل بتنا نبحث عن لقمة العيش والدار الآمنة، بل إن السودان أصبح سودانيْن، والعراق لم نعرف بعد كم سيصبح.
هذا من جانب، أما الجانب الآخر فإنه إذا كانت الشعوب قد التفت حول القادة الوطنيين لمحاربة المستعمر، فإن بعضاً من قيادات العالم العربي بدأت تخسر شعوبها، فحينما يخرج بعض من رجال الأعمال لينتقدوا الإدارة المحلية فاعرف عزيزي القارئ أن الوضع أصبح ينذر بالخطر، وذلك أن رجال الأعمال هم آخر من ينتقد السلطة، ليس ذلك لأنهم وطنيون أكثر من غيرهم من طبقات الشعب، ولكن لأن لهم مصالح يخشون ضياعها، لذلك هم يصمتون حتى يبلغ السيل الزبى، ويحسون أن مصالحهم الاقتصادية أصبحت مهددة، لذلك هم يتكلمون بدافع من حماية مصالحهم، وهذا حقهم المشروع.
عند هذا الحد يجب على الإدارة المحلية أن تراجع قراراتها لمعالجة أوضاعها، فالقوانين وجدت لتكسر إذا كانت لا تخدم المجتمع.
فرجال الأعمال دافعهم الأساسي الأنانية عبر تضخيم ثرواتهم، وهذا حق مشروع لهم إذا لم يخالفوا قوانين الدولة التي تنظم العلاقة بين أفراد المجتمع، وتضخيم الثروة الناتج عن الأنانية ليس عيباً، فرجل الأعمال يدفع الضريبة ويقيم المشاريع أياً كان نوعها، فهو بالتالي يوظف الناس ويحرك عجلة الاقتصاد بدلاً من توقفها نتيجة قرارات اقتصادية لم تُعطَ حقها من الدراسة الكافية.
ورجال الأعمال يبحثون عن بيئة اقتصادية مستقرة يستطيعون أن يعملوا بها دون خوف على مصالحهم الاقتصادية، وقوانين تُبين واجباتهم وحقوقهم دون طمع في ثرواتهم، فهم لم يحصلوا على هذه الثروات إلا بالجد والمثابرة. ودمتم.
