د. محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

علم نفس «الشوارع»

لماذا يوجد علم نفس جنائي، ووراثي، ورياضي، وأسري، واجتماعي، ولا نجد علم «نفس مروري»! من يشاهد تصرفاتنا في الشارع لا يكاد يصدق أن هذا الرجل أو تلك المرأة هي نفسها المديرة الوديعة أو المسؤول الرزين أو البائعة الحسناء التي تقنعك بكلامها المعسول. ما يحدث في الشارع يحتاج علوماً تشرح سلوكياتنا كبشر. فنحن على ما يبدو نصبح أكثر قسوة خلف نوافذ السيارات، وبضغطة خاطفة على «دواسة البنزين» نلوذ بالفرار من ورطة الإساءة. والمفارقة أن حوادث القتل التي تحدث في الشوارع أكثر من الطائرات والحروب، إذ يموت في شوارعنا العربية سنوياً أكثر من 37 ألف إنسان، الأمر الذي يتطلب تفعيل كل أنواع الذكاء الإنساني والصناعي لفهم ماذا يجري في عقول مرتادي الطريق.
يتصرف الإنسان في الشارع بطريقة مختلفة عن عمله ولقاءاته الاجتماعية. وهذا ما دفع البلدان إلى زرع ملايين الكاميرا لتتبع سلوكياتنا في الأزقة والطرقات. كما أننا بحاجة إلى مراجعة دورية للحالة الصحية والذهنية لمرتادي الطريق من جميع الأعمار. فلا يكفي فحص النظر، فكم من مُبصِر لكنه يفتقد للبصيرة وأدب الطريق. وفي الشارع تلاحظ كل أمراض النفس البشرية، ترى النرجسية، والأنانية، والشعور بالنقص، ومن تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل امتعاضاً قط حتى ولو كاد تصرفه الأحمق يودي بحياة أسرة كاملة. رأينا في الغرب إذا أخطأ أحدهم مد لك يد الاعتذار. وهي معضلة سلوكية تكشف لك الهوة ما بين الثقافات.
كما أننا بحاجة إلى التنبؤ بما يحدث في السيارات. وهو ما فعلته سنغافورة، إذ تمكنت من التنبؤ بحوادث الطرق قبل حدوثها، حيث طورت نظاماً يعمل بالذكاء الصناعي، للتنبؤ باحتمالية وقوع حوادث مرورية من قبل سائقي الحافلات «crash predictor»، فعكف العلماء على مراقبة سلوكيات السائقين على الطرقات، فنجح السنغافوريون في إعادة تدريب وتأهيل السائقين، الذين يقلون أعداداً كبيرة سنوياً بحافلاتهم. فقد تمكنوا من تخفيض معدل تكرار وقوع حوادث سائقي الحافلات إلى معدل 1.41 بحلولهم الاستباقية المحلية، وهو أكثر بكثير من المتوسط السائد 2.8.
خلاصة القول، إن ما يجري في الشوارع هو سلوك محض، يحتاج تفعيل مزيد من الدراسات لفهم سلوكياتنا كبشر، وكيف يمكن التعامل مع أفواج الازدحام المروري الذي يبلغ ذروته في رمضان.