إذا كان لي أن أتخذ من برامج إذاعة «BBC» مرجعية لقياس الرأي العام في الشارع الإيراني، أستطيع القول إن الشباب في إيران بعيدون عن التطرف، وإنه قد ظهر جيل جديد في إيران تحرر نهائيًا من الاضطرابات العقلية النجادية الثورية، وهو ما يؤكد أنهم اكتشفوا أن أميركا ليست شيطانًا أكبر أو متوسط الحجم، لأن الدول لا يوجد بها ملائكة أو شياطين، بل توجد مصالح تسعى كل دولة لتحقيقها. أعتقد أن هذا هو ما وصل إليه الشباب في إيران، وأملي أن تتمكن قياداته السياسية من الوصول إلى نفس الاستنتاجات.
المتطرف عادة في حاجة لمن «يشخط» فيه في مرحلة ما بهدف إفاقته وتخليصه من أوهامه، وهذا هو بالضبط ما فعله جون كيري عندما قال: «هذه المفاوضات لن تستمر إلى الأبد»، بعد هذه الصيحة عاد قطار المفاوضات للسير على قضبانه وتم التوقيع على الاتفاقية.
الشائع إعلاميًا أن العالم قد تخلص من خطر كبير هو أن تصل إيران إلى صنع قنبلة نووية تهدد بها جيرانها القريبين والبعيدين، لذلك رأى نتنياهو أن هذه الاتفاقية تشكل خطرًا مذهلاً على إسرائيل. الواقع أن نتنياهو يعرف عن يقين أن إيران ليست جادة من الأصل في حكاية القنبلة الذرية، لأنها تعرف أن إسرائيل لن تتركها تستكمل صنعها، وأن الهدف من هذه الصرخات النووية الإيرانية العالية (الحقوا.. أنا على وشك أن أصنع قنبلة نووية.. الحقوا امسكوني.. الحقوا امنعوني) هو أن تستعيد علاقاتها الطبيعية بالغرب وأن تفك الحصار الاقتصادي المفروض عليها وأن تحصل على عشرات مليارات الدولارات المجمدة. ولكنها السياسة، فإسرائيل ترى نفسها شريكة لأميركا على الحلوة والمرة. ولذلك كان من الصعب على نتنياهو أن يرى نفسه يخرج من المولد بلا حمص، لذلك كان إعلانه لغضبه الشديد على الاتفاقية وعلى أميركا. المشهد التالي بالطبع هو أن يخف إليه مسؤول أميركي ويقول له: إيه يا راجل.. مالك يا عسل؟ إحنا ما نقدرش على زعلك.. طلباتك.. أؤمر يا قمر.
نأتي الآن للموقف السعودي، وخاصة عندما علق مسؤول على إعلان الاتفاق أنه «يخشى أن يعطي هذا الاتفاق الفرصة في أن تعيث فسادًا في المنطقة»، هذا هو السؤال الذي سيكون من الصعب الإجابة عنه إلا بعد مرور فترة من الوقت. كما أن التنبؤ السياسي في هذه الحالة هو أمر صعب للغاية، فما أكثر العناصر والعوامل غير المرئية في النظام الإيراني، وهو ما يتطلب مراقبة ما يحدث بدقة داخل إيران، بهدف معرفة ما تأثير الاتفاقية على الأجنحة الثورية داخل النظام؟ تلك الأجهزة التي تشرف وتدير عمليات الإزعاج في اليمن وعلى حدود السعودية؟ هل ستستولي على المزيد من الأموال التي ستفرج عنها بنوك أميركا والغرب لتدعيم عملياتها السرية؟ أم أنها ستنكمش على نفسها وتفكر في مصلحة الشعب الإيراني فقط؟ مرة أخرى، هل ستظل أجهزة ثورية مراهقة أم أجهزة محترفة تعمل بما يرضي الله ويرضي شعوبها؟ هل ستستمر في العمل كمخازن ذخيرة وسلاح وبلاعة مفتوحة ليل نهار للحوثيين؟
إنني أثق في حرية التجارة ليس بوصفها صانعة لثروات الأمم، بل بوصفها الطريق الوحيد الصاعد للسلام والأمن والحضارة. هذا هو أهم جانب في الاتفاقية.. وهذا هو الأمل.
9:3 دقيقه
TT
عن الاتفاقية.. بكل الحذر
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة