مستقبل الكرة العربية الحقيقي بدأ مع تجربة منتخب المغرب في كأس العالم. وسيكون المستقبل صعباً على كل فريق عربي يشارك في بطولة دولية أو يواجه منتخباً أوروبياً كبيراً، لأنه سيوضع في ميزان المقارنة مع أسود الأطلس. لقد أسقطت تجربة منتخب المغرب «جملة التمثيل المشرف» من قاموس الرياضة وكرة القدم العربية، فلم يعد مقبولاً ترديد هذه الجملة التي تساوي كلمات العزاء، وتبرِّر التواضع، والضعف، والطموح المحدود، ولم يعد التأهل للمونديال تاريخاً، ولم يعد التأهل لدور الستة عشر هدفاً عظيماً. نعم هذا ما فعلته تجربة المنتخب المغربي الذي قدم للرياضة ولكرة القدم العربية درساً في غاية الأهمية، يقول باختصار: «نعم نستطيع بالإرادة والعزيمة والثقة بالنفس ودون عُقد نقص. نحن أقوياء ونملك كل أدوات المهارة والفن في لعبة كرة القدم».
عاش جيلنا وعاش غيرنا بعدنا على لحن التمثيل المشرف. هذا اللحن الذي عزفته فرق ومنتخبات عربية سافرت وشاركت في بطولات لكأس العالم وعادت بخفّي حُنين على مدى عقود، وعدّت مجرد المشاركة شرفاً وصناعة للتاريخ. والواقع أن تجربة منتخبات السعودية وتونس تكمل رحلة المجد التي خاضها أسود أطلس، فشاهدنا كيف لعب الفريق السعودي أمام الأرجنتين الذي تأهل إلى المباراة النهائية بفضل تلك الهزيمة التي مُني بها أمام الأخضر وكانت تحذيراً وإنذاراً.
التحية والتصفيق لمنتخب المغرب لحصيلة تجربته في مونديال قطر 2022، التي صحّحت مفاهيم المشاركة العربية في المستويات العالمية والدولية. والتحية والتصفيق لمنتخب المغرب على أدائه أمام منتخب فرنسا وكان هذا الأداء هو الأفضل والأقوى هجومياً للفريق في كل مبارياته بالبطولة. وعلى الرغم من الهدف المبكر الذي هزّ شباكه وعلى الرغم من التغيير الاضطراري، لم يتراجع المنتخب المغربي، وأمسك بالكرة، وهاجم، وهدد مرمى فرنسا التي سجلت هدفين بالخبرة ومن بعض الأخطاء الدفاعية إلى جانب مهارة خاصة لأخطر لاعبيها كيليان مبابي. وصحيح تقدم الفرنسيون للمباراة النهائية، بينما يلعب أسود أطلس على المركز الثالث أمام كرواتيا، ومع ذلك أشاد خبراء وأشادت صحف بأداء المغرب في تلك المباراة، ومنها الصحيفة الإيطالية «لاجازيتا ديللو سبورت» التي قالت على موقعها الرسمي: «فرنسا في النهائي لكن التصفيق والتحية يذهبان للمغرب».
أما كارل هاينز رومينيجه نجم منتخب ألمانيا ورئيس بايرن ميونيخ الأسبق عضو المجلس الاستشاري للمنتخب الألماني، فكانت له شهادة جميلة ودقيقة على تجربة منتخب المغرب: «انظروا إلى المغاربة، علينا أن نضع قلوبنا وروحنا في الملعب، وأن نلعب بتواضع، وأن يكون ذلك شعوراً جماعياً لدى اللاعبين وطاقم التدريب».
كان بعض النقد قد وُجِّه إلى منتخب المغرب الدفاعي لا سيما في مباراتيه أمام إسبانيا والبرتغال. والواقع أن هذا الإسلوب الذي لعب به وليد الركراكي أمام الفريقين الكبيرين كان اختياراً ضرورياً فرضته الفروق الفنية والخبرات والتجارب العالمية السابقة. إلا أن منتخب المغرب أمام بطل العالم بدأ اللقاء بطريقة 5-4-1 ثم عدّلها إلى 4-1-4-1 وجعل ميدان استاد البيت يبدو «بحراً أحمر اللون» يموج بالهجمات المتتالية، واستحوذ الأسود على الكرة 61%، وكان ذلك مجرد إشارة إلى قدرة الفريق على تطوير الأداء وفقاً لظروف المباراة ونتيجتها.
تغيرت كرة القدم، وأنتج مونديال قطر 2022 الكثير من المفاجآت والدروس، وها هو اللقب بات محصوراً بين فريقين، ويضع أميركا الجنوبية أمام أوروبا للمرة رقم 11 في تاريخ كأس العالم. لكن في عالم كرة القدم الجديد سيكون هناك دائماً مكان في اللعبة لطفل صغير ماهر، موهوب، فنان، ماكر، رشيق، قاسٍ، يكبر ويمكنه أن يحقق ما لا يتوقعه أي إنسان.. تغيرت اللعبة ولم تعد لعبة أشباح يصعب هزيمتها ومحاربتها بالأقدام والإرادة والطموح.
5:4 دقيقه
TT
التصفيق والتحية لمنتخب المغرب
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة