حسن المستكاوى

حسن المستكاوى

اليوم التالي... بعد أفضل نهائي

صمتت المدرجات، وذهب الصخب الجميل، وتوقف الجدل، وبدأت كرة القدم رحلة عمرها أربع سنوات نحو أمريكا الشمالية وكندا والمكسيك، بعد أن استقرت لمدة 29 يوماً في دولة قطر وصنعت حلماً وتاريخاً جديداً، للشرق الأوسط ومنطقة الخليج، فقد اجتمع العالم في الدوحة، وامتزجت ثقافات وحضارات ولغات وجنسيات، وتلاشت الأسوار والمسافات. ومن ناحية التنظيم نجحت دولة قطر بامتياز، ومن ناحية المستوى قدمت المنتخبات المشارِكة أفضل المباريات، وأكثر المفاجآت. وتحولت منتخبات الحيتان إلى أسماك سردين. وكان منتخب المغرب قصة المونديال الجميلة، كأول فريق عربي وأفريقي يلعب في قبل النهائي، وأفضل فريق في البطولة من ناحية التنظيم.

التصفيق والتحية لمنتخب المغرب

مستقبل الكرة العربية الحقيقي بدأ مع تجربة منتخب المغرب في كأس العالم. وسيكون المستقبل صعباً على كل فريق عربي يشارك في بطولة دولية أو يواجه منتخباً أوروبياً كبيراً، لأنه سيوضع في ميزان المقارنة مع أسود الأطلس. لقد أسقطت تجربة منتخب المغرب «جملة التمثيل المشرف» من قاموس الرياضة وكرة القدم العربية، فلم يعد مقبولاً ترديد هذه الجملة التي تساوي كلمات العزاء، وتبرِّر التواضع، والضعف، والطموح المحدود، ولم يعد التأهل للمونديال تاريخاً، ولم يعد التأهل لدور الستة عشر هدفاً عظيماً.

منتخب المغرب... ماذا بعد؟

«إخوتي هيا للعلى سعيا نشهد الدنيا إنا هنا نحيا» في هذا المقطع من النشيد الوطني المغربي، كان أسود الأطلس يرددون تلك الكلمات بقلب ينبض بحب الوطن، وكأنهم يخاطبون أنفسهم، ويخاطبون جماهيرهم ويخاطبون العالم أجمع قبل كل مباراة يخوضها الفريق، حتى التأهل إلى الدور قبل النهائي في إنجاز تاريخي للكرة العربية والأفريقية. خلال الطريق نجح منتخب المغرب في إصابة منافسيه بحالة من الشلل، في الأفكار، وفي الحركة، وفي التمرير، وفي التركيز، جعل المرور صعباً. جعل عيونهم زائغة. جعل أقدامهم لا تتحرك. جعلها مقيدة.

أسود الأطلس حطّموا أسطول الأرمادا

كان الحلم العربي قصيرا في البداية. وحين فازت السعودية على الأرجنتين اتسعت الدائرة قليلا ومضى الحلم خطوة أخرى، مجرد خطوة، وذهب إلى التأهل لدور الستة عشر. ومع منتخب المغرب داعبنا جميعا حلم اليقظة، وتساءلنا بخجل: هل يمكن أن يصمد أسود الأطلس أمام الإسبان؟ كنا نفكر بتواضع في الصمود لأن الفوز يبدو صعبا للغاية على بطل عالم سابق وعلى فريق يضم العديد من نجوم أوروبا ..؟ كانت المفاجأة أن منتخب المغرب حطم إسطول الأرمادا الإسباني، في ميدان كرة القدم، كما حطم إسطول البحرية البريطانية نظيره الإسبانى المعروف باسم الأرمادا الذي لا يهزم، في معركة تاريخية وقعت عام 1588 في بحر المانش.

كرة الشمال... وكرة الجنوب!

كانت التوقعات تشير إلى أن منتخب المغرب سيخوض مباراة صعبة أمام بلجيكا، فإذا بأسود أطلس تنتصر. وقبل مواجهة كندا اختلفت التوقعات، فكان المنتخب المغربي أقرب للفوز من الفريق الكندي، الذي يتميز بالسرعة في الأداء. إلا أن صدارة منتخب المغرب للمجموعة السادسة كانت إنجازاً حقيقياً. كما كان فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين أفضل مباريات الأخضر منذ عام 1994، وكان فوز تونس على فرنسا إضافة أخرى، تقفز بكرة «الجنوب» إلى مرحلة جديدة. ففي اللعبة يوجد هذا التصنيف التقليدي؛ كرة شمال أوروبي لاتيني، وكرة جنوب أفريقي آسيوي.

مونديال المتعة والمفاجآت والدراما

هذا المونديال فيه الكثير من المتعة، والمفاجآت، والدراما.

سؤال اليوم أمام المنتخب السعودي..

أظن أنه وحده ثعلب الماء الذي توقّع فوز اليابان على ألمانيا، في إطار مداعبات مونديالية خيالية بدأها الأخطبوط بول الشهير في «كأس العالم 2010»، لكن المنتخب السعودي ليس في حاجة إلى مثل هذا الثعلب وهو بصدد خوض مباراته الثانية في البطولة أمام بولندا، فالسؤال الآن لم يعد: ماذا فعل الأخضر في الوطن العربي، ولا ماذا فعل في العالم، وإنما أظن أن سؤال الجميع هو: هل يحجز بطاقة التأهل لدور الستة عشر للمرة الثانية في تاريخه بعد مشاركته الأولى في «مونديال 1994»؟ هذا سؤال الجميع، أما سؤالي: ما هو طموح منتخب السعودية الحقيقي؟ ما هو طموح كل لاعب بالفريق؟ وما هو طموح مدربهم رينارد؟

الأخضر يوقف رقصة التانجو

في الدقيقة 53 راوغ سالم الدوسري ثلاثة مدافعين للأرجنتين، وأطلق قذيفة سكنت الزاوية اليسرى لحارس المرمى مسجلاً هدف الفوز، وهدف كسر سلسلة طولها 36 مباراة لعبها منتخب التانجو دون أن يُهزم. في تلك اللحظة تعالت الصيحات والصرخات والهتافات، وأخذت قلوب ملايين المشجعين العرب تدق وتدوي بالفرحة في العواصم والمدن والقرى والنجوع. إنه الشوق للبطولة والأبطال. إنها الحاجة للقوة والقدرة. إنها كرة القدم التي يمكن أن تفعل ذلك، وتجعل الشعوب شعباً، والفرق فريقاً. تلك واحدة من أهم قيم الرياضة وكرة القدم.

هيا... كأس العرب

عرف العالم روسيا الحقيقية في مونديال 2018، فهي ليست تلك الصورة الذهنية التي رسمها الغرب لمجلس السوفيات الأعلى بزعمائه كبار السن: بريجينيف، وخروتشوف، ويوري أندروبوف وغيرهم الذين أحاطت بهم أسوار وقصص غربية غامضة، ولكنها دولة كبيرة لها تاريخ وثقافة وحضارة، ويملك شعبها روحاً ودودة. وسيكون مونديال قطر بمثابة رسالة حضارية في مظروف كرة القدم. فسوف يرى العالم سنغافورة العرب بمبانيها الشاهقة الباسقة التي تحمل روح العصر، سيرى الملايين من عشاق كرة القدم المنطقة العربية كما لم يعرفوها من قبل. سيتعرفون على ثقافاتها، وتقاليدها وكرمها، وقدر السماحة الذي تحمله القلوب العربية لشعوب العالم.