«إخوتي هيا للعلى سعيا
نشهد الدنيا إنا هنا نحيا»
في هذا المقطع من النشيد الوطني المغربي، كان أسود الأطلس يرددون تلك الكلمات بقلب ينبض بحب الوطن، وكأنهم يخاطبون أنفسهم، ويخاطبون جماهيرهم ويخاطبون العالم أجمع قبل كل مباراة يخوضها الفريق، حتى التأهل إلى الدور قبل النهائي في إنجاز تاريخي للكرة العربية والأفريقية.
خلال الطريق نجح منتخب المغرب في إصابة منافسيه بحالة من الشلل، في الأفكار، وفي الحركة، وفي التمرير، وفي التركيز، جعل المرور صعباً. جعل عيونهم زائغة. جعل أقدامهم لا تتحرك. جعلها مقيدة. نعم بدت طريقة لعب المغرب أمام إسبانيا أولاً، ثم في الشوط الثاني أمام البرتغال، بدت مثل خيوط عنكبوت تحيط بفريسة.
خلال الطريق تجاوز منتخب المغرب، منتخبات كبرى، تجاوز كرواتيا وبلجيكا وكندا وقفز إلى صدارة مجموعته، وتخطى إسبانيا، وبضربة رأس وقفزة يوسف نصيري الرائعة، قفز منتخب المغرب إلى الدور قبل النهائي على حساب البرتغال، وواصل رحلة المجد، وخلالها لم تهتز شباكه سوى مرة واحدة، في تأكيد على أنه منتخب من صخور الجرانيت، ويحرك لاعبيه الشعور الوطني والحلم بالسير في طريق المجد، وسط هتافات وأهازيج تتردد بملاعب المونديال، وفي مدن وعواصم عربية وأوروبية يطلقها جمهوره وجماهير الوطن العربي في صرخة واحدة: «سير... سير»، ومضمون الهتاف والخطاب: «أنت تمثلنا جميعاً، تمثل 400 مليون، وتلعب في أكبر مناسبة لكرة القدم بالنيابة عنا».
عقب نهاية مباراة البرتغال، بكى وليد الركراكي، وقال: «إنها المرة الأولى التي أبكى فيها بهذا المونديال، أحاول التحكم في مشاعري لأنني بحاجة إلى القول للاعبي الفريق إنني قوي عقلياً. لكن في بعض الأحيان يكون الأمر صعباً، فعندما تصل إلى الدور قبل النهائي من كأس العالم تتدفق المشاعر».
اتسعت دائرة الحلم، واتسعت دائرة التاريخ... وبات السؤال: ماذا بعد؟ هل يمكن لمنتخب المغرب أن يتجاوز فرنسا في الدور قبل النهائي؟
الإجابة تكمن في قلوب الأسود، ولعلها يكون فيها الكثير من اليقين، والشعور بأن ما كان مستحيلاً لم يكن مستحيلاً، وما يبدو مستحيلاً يمكن أن يصبح واقعاً. لقد تفاوت تكتيك منتخب المغرب، واتسم بالشجاعة، والقوة الهجومية في مباريات، وبالتنوع الفني في مباريات، كما حدث في مباراة إسبانيا بأداء دفاعي صلب ترك للإسبان الاستحواذ في ملعبهم دون المرور إلى مرمى ياسين بونو، ثم في الشوط الأول أمام البرتغال اختلف الأمر، حيث قدم نجوم الفريق زياش وحكيمي وأمرابط، وبوفال، ونصيري، وعطية، عرضاً في المهارات الفردية والجماعية، والقدرة الهجومية، واتسم أداء الأسود بالسعادة والمرح. وبدا الفريق مسلحاً بالثقة بعد تجاوز إسبانيا. ورغم صعوبة مواجهة منتخب فرنسا بطل العالم بما يضمه من نجوم، فإن المستحيل لم يعد مستحيلاً... أليس كذلك؟
هذا المونديال ضرب الأرقام القياسية في المفاجآت، فخرجت منتخبات ألمانيا والبرازيل وإسبانيا والبرتغال وهولندا، وبلجيكا، وإنجلترا، وتلك كلها كانت مرشحة، وجمعت مباريات البطولة كوكب كرة القدم حول الملاعب والشاشات، فشهد تاريخ كأس العالم أقوى وأجمل دور مجموعات، وأقوى دور للستة عشر، وأقوى دور للثمانية، وشهد المونديال صراعاً استمر حتى النهاية في الكثير من المباريات، وظلت النتائج معلقة حتى اللحظات الأخيرة، ما أضفى على البطولة الإثارة والبهجة والدموع والدراما.
TT
منتخب المغرب... ماذا بعد؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة