كانت التوقعات تشير إلى أن منتخب المغرب سيخوض مباراة صعبة أمام بلجيكا، فإذا بأسود أطلس تنتصر. وقبل مواجهة كندا اختلفت التوقعات، فكان المنتخب المغربي أقرب للفوز من الفريق الكندي، الذي يتميز بالسرعة في الأداء. إلا أن صدارة منتخب المغرب للمجموعة السادسة كانت إنجازاً حقيقياً. كما كان فوز المنتخب السعودي على الأرجنتين أفضل مباريات الأخضر منذ عام 1994، وكان فوز تونس على فرنسا إضافة أخرى، تقفز بكرة «الجنوب» إلى مرحلة جديدة. ففي اللعبة يوجد هذا التصنيف التقليدي؛ كرة شمال أوروبي لاتيني، وكرة جنوب أفريقي آسيوي. وعفواً كرة الأوقيانوس بعيدة.
منتخب المغرب الذي يرفع راية الكرة العربية والأفريقية سيواجه نظيره الإسباني المرشح للمنافسة على اللقب لكنه خسر أمام سرعة منتخب اليابان. وتلك الهزيمة تمنح المغرب أملاً في تكرارها رغم صعوبة المواجهة.
في تقرير لمجموعة الدراسات الفنية في المونديال، جاء أن «الأفضل ليس متأكداً من الفوز. كل شيء ممكن... لقد تطورت كرة القدم ولم تعد هناك مفاجآت صارخة».
هذا حقيقي، فقد أصبح الصراع في اللعبة يقوم على عنصرين أساسيين مبدئياً، وهما الطاقة البدنية، والسرعة، بينما كانت مهارات اللاعبين وسيطرتهم قديماً على الكرة حاسمتين في هذا الصراع، وهو ما أنتج تفوقاً لاتينياً سابقاً على الأوروبيين، قبل أن تدرك أوروبا أهمية اللياقة وتطوير التكتيك والأداء الجماعي، وتنجح في إحراز اللقب أربع مرات منذ 2006.
اللياقة البدنية، وأداء اللاعب المباراة بالسرعة القصوى وبأعلى معدلات الجري بمسافات، باتا أمراً ضرورياً يجب تطويره على مستوى المنتخبات العربية والأفريقية والآسيوية. وهذا كان أمراً فارقاً في أداء منتخب السعودية أمام المكسيك، حيث ظهر تأثير الإجهاد البدني بعد مباراتي الأرجنتين وبولندا، وما كان فيهما من ضغط ومعدلات جري واستخلاص سريع للكرة من جانب لاعبي الأخضر، وهذا ما أشار إليه هيرفي رينار في تصريحاته بعد مباراة المكسيك: «الإرهاق والإصابات كان لهما تأثير على الفريق، وفيما يتعلق بالنسق السريع والحضور البدني كان منتخب المكسيك أفضل».
هي كلمات واقعية من مدرب الأخضر. لكن بات ضرورياً النظر إلى كرة القدم بشكل أعمق، فعندما قدم المنتخب السعودي أفضل عروضه في هذا المونديال أمام الأرجنتين وبولندا، كان مسلحاً بطاقة بدنية رفيعة المستوى، وبروح قتالية رائعة، وسرعات في الهجوم وفي الارتداد، وفي استخلاص الكرة. من هنا تبدأ وتنتهي كرة القدم الآن.
في الجولة الثالثة للمجموعة الخامسة شاهدنا 180 دقيقة مجنونة، إذ هزمت اليابان، إسبانيا، واحتلت صدارة المجموعة، ولدقائق تأهلت كوستاريكا لدور الـ16، وخرجت إسبانيا ومعها ألمانيا، قبل أن يعود الإسبان على حساب الألمان... من كان يتوقع هذا الجنون؟
الشك في النتائج النهائية لمباريات كرة القدم من أسباب سحرها وشعبيتها الجارفة، لكن دعوني أسألكم: ما هي المباراة أو المباريات التي ترون أنها دخلت تاريخ المونديال؟
رجاء التفكير جيداً، ووضع في الحسبان أهمية المباراة، وتأثيرها، وشريط سيرها، والدراما التي شهدتها، وقوة الخصم.
الإجابة كما أظن: فوز السعودية على الأرجنتين، وتونس على فرنسا، والمغرب على بلجيكا، واليابان على إسبانيا... فما معنى ذلك؟!
هناك تغيير في كرة القدم في الجنوب... فلم تعد الفرق الكبيرة أشباحاً لا يمكن هزيمتها، ويكتمل التغيير بتطوير ما هو غائب.
8:2 دقيقه
TT
كرة الشمال... وكرة الجنوب!
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة