بيتر كوي
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

معركة محتدمة حول «آب ستور»

تعتبر «أبل» الشركة الأعلى قيمة على مستوى العالم. والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا؛ هل تشكل هذه الشركة كياناً احتكارياً؟ ولإيجاد إجابة مرضية عن هذا التساؤل، أقترح أن تشاهد عرضاً واقعياً مذهلاً عبر موقع «يوتيوب». يدور هذا العرض حول جلسة استماع داخل إحدى قاعات المحاكم استمرت على مدار ساعة وربع الساعة في 14 نوفمبر (تشرين الثاني)، وذلك في إطار الدعوى المرفوعة من شركة تطوير الألعاب «إيبك غيمز» ضد شركة «أبل».
في إطار هذه الدعوى، خاض عدد من المحامين اللامعين معركة شرسة أمام 3 قضاة استئناف داخل واحدة من أجمل قاعات المحاكم على مستوى العالم. وتحمل هذه القضية مخاطر ضخمة لـ«أبل» والقطاع التكنولوجي بأكمله.
خارج قاعة المحكمة، تعرضت «أبل» لانتقادات شديدة الأسبوع الماضي. من جهته، انتقدها مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة «ميتا بلاتفورمز»، الشركة الأم لشركة «فيسبوك»، أثناء كلمة ألقاها عبر الفيديو في «قمة ديلبوك» التي عقدتها صحيفة «نيويورك تايمز»، الأربعاء، بقوله: «أعتقد أن (أبل) وضعت نفسها في وضع متفرد، كونها الشركة الوحيدة التي تحاول السيطرة على نحو منفرد، على التطبيقات التي يمكن تنزيلها على جهاز ما. أعتقد أن هذا وضع ليس بمستدام، وليس وضعاً جيداً لأي شركة».
من ناحيته، شن إيلون ماسك هو الآخر، كما لو أنه ليس لديه ما يكفيه من مشكلات، هجوماً ضد «أبل»، متهماً إياها بمحاولة تخريب «تويتر»، الشركة التي اشتراها حديثاً. كما أنه اتهم «أبل» بالتهديد بطرد «تويتر» من «أب ستور» الخاص بها. إلا أنه بحلول الأربعاء، بدا أنه أصلح الأوضاع بعد زيارة لمقر رئاسة «أبل».
في الحقيقة، دائماً ما يكون مشهد تشاجر المليارديرات، بعضهم مع بعض مسلياً، لكن إذا كانت لديك رغبة حقيقية في التعرف على القضايا القانونية والاقتصادية المرتبطة بمسألة ما إذا كانت «أبل» تشكل كياناً احتكارياً، فإنني أوصي بأن تشاهد جلسة الدعوى القائمة من «إيبك غيمز» في مواجهة «أبل» ـ ولا أقصد هنا جلسة نوفمبر سالفة الذكر فحسب، وإنما مجمل النزاع القانوني بين الجانبين. إلا أن «أب ستور» الذي انتقده زوكربيرغ وماسك، يتّسم بقدر هائل من الأهمية هنا، ويقع في قلب القضية القائمة بين «إبيك غيمز» و«أبل».
ومثلما الحال مع كثير من الأمور الأخرى المتعلقة بمكافحة الاحتكار، تتعلق هذه القضية بكيفية تحقيق الموازنة بين الأولويات والرؤى المتضاربة. من جانبها، تقول «أبل» إنها تحمي سلامة عملائها، بينما تدفع «إيبك غيمز» بأن هذا مجرد ذريعة لكبت التنافس وتعظيم الأرباح بأقصى درجة ممكنة.
أما قصة الخلفية، لأن كل دراما داخل قاعات المحاكم تحمل وراءها قصة خلفية، فتدور حول أنه بعدما اقتحمت «أبل» مجال تجارة الهواتف عام 2007، سمحت لجهات خارجية معنية بتطوير برمجيات بصنع تطبيقات من أجل «آيفون» و«آيباد» لاحقاً، بشرط أن تلتزم قواعد صارمة لإبقاء القراصنة وغيرهم من مثيري المشكلات بعيداً.
وحققت صفقات الترخيص أموالاً للمطورين الخارجيين، وكذلك استفادت «أبل»، مع تعزيز هذه التطبيقات لأهمية «آيفون» و«آيباد». وتبعاً لما ورد بأحد البيانات الموجزة، ارتفع عدد التطبيقات من 500 في يوليو (تموز) 2008 إلى 1.8 مليون في نوفمبر 2020. جدير بالذكر أن ما يزيد عن 99.99 في المائة من التطبيقات داخل «آب ستور» جرى تطويرها من جانب أطراف ثالثة.
اشتكى بعض المطورين الخارجيين من أن شروط «أبل» كنت مرهقة للغاية. حيث فرضت «أبل» من البداية أن يجري توزيع التطبيقات الخاصة بنظام تشغيل «آي أو إس» الخاص بها من خلال «آب ستور» فقط. كما أصرت كذلك أنه إذا رغبت في شراء كثير من أنماط المحتوى الرقمي باستخدام تطبيق ما، فإنه يتعين عليك إنجاز ذلك باستخدام الوظيفة التي أنشأتها «أبل». وقد فرضت «أبل» رسوماً مقابل الوظيفة، ما يصل إلى 30 في المائة من سعر الشراء.
من ناحيتها، حاولت «إيبك غيمز»، التي تتولى إنتاج لعبة الفيديو الشهير عبر الإنترنت «فورتنايت»، الالتفاف على نظام الدفع الذي تفرضه «أبل» من خلال جزء مخفي من الكود. وكما هو متوقع، أدى ذلك إلى حظر «أبل» للعبة «فورتنايت» من «آب ستور».
عام 2020، تقدمت «إيبك غيمز» بدعوى قضائية ضد «أبل» أمام محكمة فيدرالية، مدعية انتهاك «أبل» للقوانين الفيدرالية، وكذلك القوانين على مستوى الولاية المكافحة للاحتكار، وأيضاً قانون كاليفورنيا الذي يجرم المنافسة غير العادلة. وفي الوقت ذاته، تقدمت «إيبك غيمز» بدعوى قضائية ضد شركة «غوغل» التي تتولى إدارة «غوغل بلاي ستور» للأجهزة العاملة بنظام «أندرويد». وما تزال القضية منظورة أمام المحاكم.
ومن أجل استخدام «لينغو» الخاص بـ«فورتانيت»، اشتعل ما يبدو كأنه معركة حامية الوطيس. وأقامت «أبل» دعوى مضادة ضد «إيبك غيمز»، متهمة إياها بخرق التعاقد بينهما. ونفت «أبل» كونها كياناً احتكارياً، مشيرة إلى المنافسة من جانب «غوغل بلاي ستور» للأجهزة المعتمدة على «أندرويد».
في سبتمبر (أيلول) 2021، خلص القاضي إيفون غونزاليز روجرز إلى إدانة «أبل» بـ9 من 10 اتهامات، لكنه أدان «إيبك غيمز» بالتهمة العاشرة، وأمر «أبل» بالتوقف عن حظر مطوري التطبيقات من توجيه العملاء نحو منصات أخرى؛ حيث يمكنهم في بعض الحالات، شراء محتوى رقمي بسعر أرخص.
واستأنفت كل من «أبل» و«إيبك غيمز» الحكم أمام محكمة الاستئناف الأميركية للدائرة التاسعة في سان فرانسيسكو. من جانبها، انحازت «مايكروسوفت»، التي تحاول إنشاء متجر تطبيقات خاص بها، إلى جانب «إيبك غيمز». وكانت الجلسة الأولى في الاستئناف في 14 نوفمبر، التي سبق أن ذكرتها.
بدأ الهجوم الأول داخل المحكمة من جانب محامي «إيبك غيمز»، توماس غولدستاين، أثناء جلسة الاستماع. وأشار غولدستاين إلى أن 45 قضية أمام المحكمة العليا، بما في ذلك دعوى «غوغل» ضد «أوراكل أميركا» (2021)، التي خلص فيها القضاة إلى أن نسخ «غوغل» لجزء من برنامج «جافا» الخاص بـ«أوراكل» كان استخداماً عادلاً.
في المقابل، رفض المحامي الرئيسي لـ«أبل»، مارك بيري، مرافعة غولدستاين. وقال: «هذا خطأ فحسب، وينقضه تماماً سجل المحاكمة». وقال: «ما تحجبه الحدائق المحصنة هم المحتالون والقراصنة والبرامج الضارة وبرامج التجسس، والحكومات الأجنبية الراغبة في السيطرة على الهاتف وخاصية تحديد المواقع والميكروفون بالجهاز».
وعندما حصل غولدستاين على فرصة الحديث مرة أخرى نهاية الجلسة، جادل بأن «أبل» لها الحق في تشجيع استخدام متجر التطبيقات الخاص بها، لكن ليس لها الحق في منع العملاء «عن طريق العقود والتكنولوجيا» من استخدام متجر تطبيقات آخر.
جدير بالذكر هنا أن «أبل» ربحت أكثر من 3000 دولار في الثانية خلال العام المالي الأخير. ومن الطبيعي أن نتساءل عما إذا كان بعض نجاحها قد تحقق عن طريق كبح جماح المنافسة. ومن متابعتي لدراما قاعة المحكمة الشهر الماضي وقراءة بعض الملخصات، أعتقد أن شركة «أبل» على حق في نصف حجتها فقط، فرغم أن «حديقتها المسورة» رائعة، تبقى الحقيقة أن عملاءها جديرون بالاستمتاع بمزيد من الخيارات.
* خدمة «نيويورك تايمز»