استضافة قطر لكأس العالم تعد جزءا من رؤية وطنية طموحة، وهي مبادرة حكومية لتحويل قطر إلى مجتمع عالمي، وهذه المرة الأولى التي تقام فيها كأس العالم في الشرق الأوسط، مما جعل المونديال محاطاً بالكثير من الجدل في عدد من القضايا والانطباعات والإرهاصات التي تشكك منذ الإعلان عن استضافة الدوحة للبطولة، بينما الحقيقة الواضحة للعيان هي أن تنظيم بطولة كأس العالم يعبر عن صورة حديثة تعرض نفسها بنفسها على نحو كامل بفضل الجهود التي تؤطرها.
فالحديث عن المونديال أخذ حيزاً واسعاً من النشر والإعلام قدم فيه الكثيرون من الكُتّاب العرب والأجانب من شتى أنحاء العالم آراء مختلفة ومتباينة، واتفقت الأغلبية على نجاح الاستعدادات والتنظيم، ولكن على ما يبدو أن بعض الإعلام الغربي له معيار مختلف يحكم في ضوئه على مدى النجاح ويستغل هذا المحفل الكبير لتمرير أجندته السياسية وتصدير قيمه اللاأخلاقية إلى تنافي الطبيعة البشرية، وعدم الاكتراث بقيم وتقاليد الدول والشعوب العربية والإسلامية.
لقد أصبح العالم الغربي أو معظمه يعمل وفق أجندة على إلغاء بعض الثوابت ووضع المبادئ والأخلاق التي تتفق عليها الغالبية، تحت شعار مضلل هو الإخاء والمساواة والحرية، كل ذلك من أجل أن تفرض قناعات مشوشة تؤهل الناس لقبولها، غير أن الأمور ليست بهذه السهولة، فمدلولات القيم والمبادئ التوجيهية للفعل والسلوك البشري تظهر الغايات وسيطرة النفوذ السياسي العالمي. كما أن كل أمة من الأمم جميعها لها قيمها الخاصة بها، والتي ترفض التنازل عنها مهما كان الثمن، وبخاصة أنَّها لا تضر أحداً من الأنام في مجملها، بل تحض على الخير.
لقد بدأ الاستفزاز يجرف العقل الغربي ويحدد مصيره وتغمره آراء الحشود بالفوقية والغرور والانزلاق إلى فضاء الإشكاليات، وتجاهل الهوية الثقافية كمنظومة من القيم للوعي بالزمان والتاريخ الذي يكشف تلك الأجندة.
ما نلاحظه في مونديال قطر حملات اليسار الليبرالي في ألمانيا التي تواصل الهجوم على الدولة المنظمة، وكذلك البرلمان الأوروبي يندد بقطر والفيفا بسبب ذريعة انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة فيما يتعلق بكأس العالم، وإقحام السياسة في الرياضة واستغلال حب وعشق الشعوب لكرة القدم لإفساد هذه المتعة والتشويق لمتابعتها، وطمس الاختلاف والتنوع والتكامل والتنكر لخصوصيات الآخرين يقوم بذلك شخصيات سياسية معروفة كوزيرة الداخلية الألمانية، التي ارتدت شعار المثليين في المدرجات بين الجماهير الرياضية، فالسؤال هنا كيف لوزيرة مسؤولة عن تطبيق النظام في بلادها أن تخالف قانون دولة يقام على أرضها أكبر وأهم محفل عالمي لكرة القدم.
والحق أن ما يمثل مشكلا في هذا المنعطف عند الغرب، هو الثقافة الأوروبية العنصرية، فكل المحاولات تريد أن تعيد بناء أزمات الآيديولوجيات التي تعجل بانهيار نظام القيم التي توجه العمل السياسي نفسه في أزمة أخرى أشد وطأة وجذرية يتأذى منها المنبع الأساسي للقيمة والمعنى، وهكذا استمر الرفض ضد تنظيم كأس العالم لكرة القدم في بلد عربي شرق أوسطي.
ما برحت الأهداف تتضاءل بعدما نجحت قطر في تنظيم هذا المونديال 2022 العالمي بكلفته المادية العالية، فالفلسفة الغربية تعتقد أن الحقيقة تتم صناعتها لترويج خطة سياسية واقتصادية استراتيجية، وهناك في أطراف العالم يتحالف الإعلام لصناعة الرأي والموقف السياسي والاقتصادي، حتى إن سطوة الإعلام ونفوذه يستطيعان بالمال والتسويق صنع رئيس أو الإطاحة به، وتضخم نفوذ الشركات الكبرى وسيطرتها الإعلامية دليل على تربع الغرب على قمة التفرد والتحيز والتمركز الذي يلقي بظلاله المائلة على فلسفة الإعلام الغربي فيصبغها بصبغته المشوهة للحقيقة والمزيفة للخبر، فهي مؤثرة تأثيراً خطيرا لتضليل الناس واستغفال عقولهم، ما لبثت تقع تدريجياً في الأفول، وتظهر سياستهم التي تطال مسؤوليتهم الأخلاقية، فهل بوسعنا التخفيف من وطأتها أو التخلص منها نهائياً لو أردنا؟
ما يلفت الانتباه في هذا السياق هو اتجاه جديد من الانتقادات المجحفة لقطر، لرفضها قبول رفع شعار المثلية الجنسية وغيره من القضايا المدعاة، وكذلك الفيفا تتعرض لذات الانتقادات من قبل منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، ونشطاء مجتمع الميم في بريطانيا، فالكل يريد وضع حجر أساس في الجزء الشمالي الشرقي من المحفل ليرمز إليها ويمثل ذلك الحجر أو يجعلها مشاكل ذات طبيعة غير قابلة للتسوية.
TT
الإعلام الغربي وكأس العالم في قطر؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة