ديفيد والاس ويلز
TT

المتحورات الجديدة من «كوفيد» لا تغير شيئاً في الواقع

لم تنته جائحة فيروس «كوفيد» بعد، لكن الوضع أصبح ثابتاً على نحو ملحوظ.
ومر ما يقرب من عام منذ اكتشاف المتحور «أوميكرون» في جنوب أفريقيا وبوتسوانا. ومنذ ذلك الحين، لم تعلن منظمة الصحة العالمية عن أي نمط جديد من المخاوف، ما يشكل فترة بينية مثيرة بالنظر إلى أنه جرى الإعلان عن خمسة متحورات العام السابق.
بطبيعة الحال، ظهرت كثير من المتحورات الجديدة لـ«أوميكرون» ـ العديد من السلالات التي ربما لم يعد بمقدور الغالبية العظمى من الأميركيين متابعتها. وأثار كل متحور جديد («إكس بي بي» و«بي كيو.1» و«بي كيو.1.1» مجرد ثلاثة أمثلة هنا) موجة تغطية قلقة محدودة حول قدرة هذه المتحورات على الالتفاف على جهاز المناعة والانتقال من شخص لآخر. كما تسبب بعضها في ارتفاع طفيف في حالات العدوى.
إلا أنها جميعاً تنتمي إلى العائلة ذاتها، ومع أن بعضها «أقارب بعيدون» عن المتحور الأصلي «أوميكرون»، فإن أياً منها لم يتمكن من تغيير الصورة الكبيرة للمرض. نقترب اليوم من الذكرى الثالثة للجائحة، وما نزال في حالة شبه ثابتة ومتوطنة سادت منذ مطلع الربيع؛ فالعدوى شائعة للغاية والوفيات مرتفعة على نحو مؤلم، لكن من دون ظهور متحور آخر من «أوميكرون». وعليه، فإن المتحورات الجديدة لم تعد تكتسي أهمية كبيرة.
وحتى أسابيع قليلة ماضية، كان هناك بعض القلق إزاء المتحور الجديد «سكرابل»، وثار بعض القلق في الخارج؛ في بريطانيا، حدث فجأةً تحول نحو الأسوأ على صعيد العدوى ومعدلات الاحتجاز في المستشفيات. وفي ألمانيا، وصلت معدلات الاحتجاز في المستشفيات بسبب عدوى «كوفيد» إلى مستويات مرتفعة. كما شهدت معدلات الإصابة ارتفاعاً في سنغافورة هي الأخرى.
إلا أنه سرعان ما تحول اتجاه المد، ما جعل من الصعب رؤية التأثير النهائي للمتحورات الفرعية الجديدة. وتجاوزت معدلات الاحتجاز في المستشفيات البريطانية في الوقت الراهن الفترة الصعبة، وانخفض معدل الاحتجاز في المستشفيات في ألمانيا إلى النصف على مدار أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتراجعت الزيادة التي شهدتها الإصابات في سنغافورة من دون أن تقابلها زيادة مماثلة في الوفيات. في الهند وبنغلاديش، سيطرت المتحورات الفرعية الجديدة على زمام الأمور من دون إحداث زيادة ملحوظة في الإصابات أو الوفيات.
في كثير من هذه الحالات، يُفترض أن المتحورات الفرعية الجديدة هي التي دفعت الموجات الصغيرة من العدوى. إلا أن هذه الزيادات ظلت صغيرة، على الرغم من التدابير المحدودة لتخفيف حدة القيود الرامية لمواجهة الجائحة، وتحديداً بفضل الحماية المتراكمة للمناعة الطبيعية والمناعة الناتجة عن اللقاحات.
اليوم، ما يزال الفيروس في مرحلة التطور. داخل الولايات المتحدة، يشكل المتحور «سكرابل» غالبية الإصابات، ومع ذلك تبقى أعداد الاحتجاز في المستشفيات والوفيات ثابتة.
ونظراً للاضطراب المروع الذي ساد العامين الأولين من الجائحة، كانت هذه الاستمرارية الأخيرة ملحوظة؛ إذ منذ منتصف أبريل (نيسان)، ظل متوسط عدد الوفيات اليومية داخل الولايات المتحدة ثابتاً، بخلاف أسبوع واحد في بداية يونيو (حزيران)، كان العدد 300 إلى 500 يومياً لأكثر من ستة أشهر. وحدث ارتفاع كبير في العلاج بالمستشفيات في منتصف الصيف، لكن حتى في ذروتها، ظلت الأرقام أقل من مستويات معظم الشهور الـ24 الأولى من الجائحة. وكانت أسوأ فترة معدلات الحجز في المستشفيات في الأشهر الستة الماضية أفضل من أي فترة أخرى من العامين السابقين، باستثناء صيف 2021. وارتفعت معدلات الاحتجاز في وحدات الرعاية المكثفة كذلك، ومع ذلك ظلت أقل من أي نقطة أخرى خلال فترة الجائحة، باستثناء أسبوعين في ذلك الصيف.
وبالطبع، حدثت موجات ارتفاع في معدلات الإصابة على المستوى المحلي. حدث ذلك في بوسطن مطلع أكتوبر، وكذلك ولاية نيويورك أواخر الشهر نفسه. وبالنظر إلى أننا ما نزال في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) فقط، فإن البلاد لم تخرج من مرحلة الخطر والترقب بعد. إلا أنه في ظل عدم وجود متحور جديد مثير للقلق يلوح في الأفق، يبدو من غير المحتمل أن تؤدي أي زيادة موسمية في الإصابات إلى وضع يشبه تجربة الشتاءين الماضيين، ومن المرجح أن تمضي الأشهر القليلة المقبلة مثل الأشهر الستة السابقة.
في يوليو (تموز)، أمعن الخبير الديموغرافي ليمان ستون النظر في بيانات الوفيات الزائدة في البلاد وأعلن أنه «يبدو أن الجائحة داخل الولايات المتحدة قد انتهت بالفعل». تعد الوفيات الزائدة مقياساً مفيداً لتقييم الحجم الكامل للجائحة، وذلك لأنه لا يتأثر بالتباينات المحلية في الاختبارات ويضع في الحسبان أولئك الذين ربما ماتوا ليس بسبب «كوفيد»، وإنما بسبب اضطرابات اجتماعية وأخرى بمجال الرعاية الصحية.
في هذا الصدد، قال ستون: «منذ عام 2020، كانت فكرتي دوماً أنه بمجرد أن يكون لدينا من 3 إلى 4 أشهر من معدل الوفيات الزائدة الصفري، يمكننا حينها القول إننا تجاوزنا الجائحة. حسناً، يبدو أن أبريل ويونيو لم يكن بهما معدلات وفيات زائدة تقريباً. لقد تجاوزنا الجائحة بالفعل».
إلا أنه في واقع الأمر في الوقت الذي انحسر فيه تأثير «كوفيد» على صعيد الوفيات الزائدة خلال الشهور التي مرت منذ ذلك الحين، مقارنة بالفزع الذي ساد العامين الماضيين، فإنه لم يختف تماماً.
وعلى ما يبدو، فإن ما لاحظه ستون في أبريل ومايو (أيار) ويونيو، على ما يبدو الآن، لم يكن نهاية الجائحة وإنما الفترة اللاحقة لنهاية الموجة الأولية لـ«أوميكرون»، مع عدد أقل من الوفيات الزائدة بعد تلك الموجة الوحشية مباشرة، الأمر الذي يعود في جزء منه إلى أن كثيرا من الأشخاص الأكثر عرضة للخطر كانوا قد توفوا بالفعل.
وقد شهدت الوفيات الزائدة انحساراً مشابهاً، وإن كان لفترة أقصر، في مارس (آذار) 2021، في أعقاب موجة الشتاء ذلك العام، بل وانخفضت إلى ما يقرب من الصفر خلال فترة وجيزة عام 2020، مباشرة بعد موجة الربيع الأولى للوباء. وتبعاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، شهدت البلاد في المتوسط حوالي 5000 حالة وفاة زائدة كل أسبوع منذ منتصف أبريل. (يرقى هذا إلى تجاوزات أسبوعية للوفيات المتوقعة تتراوح بين 5 في المائة و10 في المائة، مقارنة بـ35 في المائة أو حتى 40 في المائة خلال كل من موجات الزيادة الرئيسية السابقة). وتروي بيانات معدل الوفيات الزائدة الصادرة عن مجلة «الإيكونوميست»، والتي تستخدم منهجية مختلفة قليلاً، القصة نفسها: معدلات الإصابة ثابتة نسبياً، ومعدل وفيات قليل نسبياً منذ أبريل.
وتضيف 400 حالة وفاة يومياً ما يقرب من 150 ألف حالة وفاة سنوياً، وإذا تجنبنا حدوث زيادة كبيرة خلال الشهرين المقبلين، فإن عدد ضحايا «كوفيد» خلال العام بأكمله سيبقى أقل من 300 ألف. ورغم أن هذا ليس مروعاً تماماً مثلما كان الحال مع الـ350.000 وفاة التي سجلتها البلاد خلال عام 2020 أو الـ475.000 وفاة التي جرى تسجيلها العام الماضي، لكنها تبقى مأساوية رغم أن ذلك أصبح أمراً طبيعياً الآن.
* خدمة «نيويورك تايمز»