ماذا يمكن أن يتغيّر بعد انعقاد «لقاء قرطاج» الثلاثي

وسط خلافات حول ليبيا... والعلاقات مع واشنطن وباريس وروما

من لقاء قرطاج الثلاثي (إ ب أ)
من لقاء قرطاج الثلاثي (إ ب أ)
TT

ماذا يمكن أن يتغيّر بعد انعقاد «لقاء قرطاج» الثلاثي

من لقاء قرطاج الثلاثي (إ ب أ)
من لقاء قرطاج الثلاثي (إ ب أ)

نُظّم أخيراً في قصر الرئاسة التونسية بقرطاج لقاء مغاربي مصغّر ضمّ الرئيس التونسي قيس سعيّد، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفّي، بمشاركة مسؤولين كبار عن قطاعات الأمن والاقتصاد والشؤون الخارجية. ولقد تباينت ردود الفعل على هذا اللقاء ونتائجه داخل البلدان المشاركة فيه، وكذلك في الرباط ونواكشوط وفي عدد من العواصم الأوروبية والأفريقية والغربية المعنية بالأوضاع في المغرب العربي. وأولت أطراف محلية وإقليمية ودولية اهتماماً لافتاً بالتقارب بين تونس والجزائر عشية تنظيم البلدين انتخابات رئاسية جديدة. وفي حين رأت أطراف عديدة عقد هذا اللقاء المصغّر «تمهيداً لتفعيل مسار الاتحاد المغاربي» المجمّد منذ التسعينات، على خلفية توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، اتهم سياسيون في الرباط القيادة الجزائرية بمحاولة «تأسيس اتحاد مغاربي بديل» يُقصي المغرب، ويبدأ بالدول الثلاث التي شاركت في لقاء تونس، وينفتح لاحقاً على موريتانيا فقط. لكن مصادر حكومية في الدول الثلاث ردّت بالقول إن لقاء قرطاج بحث أساساً التنسيق بين البلدان الثلاثة حول التحديات الاقتصادية والأمنية المشتركة وملفات الهجرة غير النظامية والمياه وتسوية الأزمة الليبية والعلاقات مع الدول الأوروبية.

أبرز سؤال مطروح اليوم، بعد اللقاء التشاوري الثلاثي، التونسي - الجزائري - الليبي، هو عمّا يمكن أن يغيّره هذا اللقاء الذي جمع الرئيسين قيس سعيد وعبد المجيد تبّون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفّي. وبالأخص، ما إذا كان لقاء قرطاج هذا سيُسهم في إحداث آليات جديدة للشراكة وتسوية أزمات المنطقة، أم تزداد الأوضاع تعقيداً. ولكن، بحسب تصريحات وزيري الخارجية التونسي نبيل عمار والجزائري أحمد عطّاف بعد اللقاء، فإن مبادرته الثلاثية «ليست موجهة ضد أي دولة بما في ذلك الشقيقة المغرب».

ترفيع التنسيق أمني

في تونس، نوّهت تصريحات أعضاء في الحكومة ووسائل الإعلام بالبيان الختامي الذي صدر عن اللقاء، وعدّته «مساهمة في تطوير الشراكة الاقتصادية، وتفعيل القرارات الجماعية القديمة حول معالجة معضلات الأمن والهجرة غير النظامية والتنمية والمياه في المناطق الحدودية، ورفض التدخل الأجنبي في شؤون المنطقة».

أيضاً أُعلن في تونس وطرابلس عن «مشاورات أمنية» تونسية - ليبية - جزائرية إضافية شملت ملفات المعابر البرّية، بينها بالخصوص معبر رأس جدير الحدودي بين تونس وليبيا الذي كان أغلق قبل نحو شهرين؛ بسبب الاضطرابات الأمنية وصراعات النفوذ على «البوابات والمعابر» بين «لوبيات» مالية وأمنية في غرب ليبيا، والسلطات العسكرية والسياسية في طرابلس.

وفي هذا السياق، لفت الأكاديمي البشير الجويني، وهو دبلوماسي تونسي سابق في ليبيا، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى محادثة بين وزيري داخلية كل من تونس وليبيا، كمال الفقي وعماد الطرابلسي، أوصت بالتعجيل بفتح معبر رأس جدير «في أقرب وقت» بحكم أهميته «الاستراتيجية»، وتكفّله بتنقل ما لا يقل عن نصف مليون مسافر شهرياً، و6 ملايين مسافر سنوياً، معظمهم من الليبيين والتونسيين والجزائريين.

إلا أن قرار «فتح المعبر» لم يقع تفعيله فوراً، رغم المباحثات التي أجريت في لقاءٍ بتونس بين الرئيس قيس سعيّد ورئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي وأعضاء وفدي البلدين. في المقابل، تزايدت الحركة نسبياً في المعبر الثاني الرابط بين ليبيا وتونس، معبر «الذهيبة - وزّان»، وهو معبر في منطقة صحراوية يحتاج سكان شمال ليبيا ومنطقة العاصمة طرابلس والمسافرون التونسيون إلى قطع مئات الكيلومترات الإضافية لبلوغه. ومعلوم أيضاً أن هناك معبر «الدبداب» الليبي - الجزائري الصحراوي، لكنه مفتوح لنقل السلع فقط.

وفي الوقت ذاته، نشرت وسائل إعلام في البلدان الثلاثة أن من بين النتائج الإيجابية لإحداث «آليات التشاور الثلاثية» التونسية - الجزائرية - الليبية، ترفيع التنسيق في قطاعات مكافحة الإرهاب والتهريب والهجرة غير النظامية، و«اعتراض قوافل المهاجرين القادمين من بلدان جنوب الصحراء» الذين تزايد عددهم بعد تدهور الأوضاع الأمنية والإنسانية في السودان، وعدد من دول الساحل والصحراء.

تخوّفات

على صعيد متّصل، أعربت أوساط سياسية وأكاديمية مغاربية عن «تخوّفات» من إنشاء «آلية ثلاثية مغاربية للتشاور» لا تشمل الرباط ونواكشوط؛ إذ نشر بعض الشخصيات، وأيضاً وسائل إعلام مغربية وعربية، مقالات وبرامج تتّهم القيادة الجزائرية بـ«محاولة إقصاء المغرب» الذي يستضيف المقر الدائم للأمانة العامة للاتحاد المغاربي منذ تأسيسه في «قمة مراكش» خلال فبراير (شباط) 1989.

معبر راس جدير(صورة ارشيفية من وزارة داخلية الدبيبة)

كذلك، صدرت انتقادات للقاء قرطاج الثلاثي من شخصيات ليبية مقرّبة من قائد الجيش في شرق البلاد المشير خليفة حفتر، ومن رئيس حكومة الشرق أسامة حمّاد (في بنغازي) ورئيس حكومة الغرب عبد الحميد الدبيبة (في طرابلس). واعتبر جُلّ هذه الانتقادات أن المنفي، رئيس «المجلس الرئاسي الليبي»، له صلاحيات «محدودة»، مقارنة برئيسي الحكومة ومجلس النواب المؤقت في المنظومة السياسية الليبية الحالية.

لكن المنفي تفاعل مع هذه الانتقادات على طريقته، فأرسل مستشاره سامي المنفي مبعوثاً إلى العاهل المغربي محمد السادس والرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، ونقل إليهما رسالتين خطيتين لتوضيح سياق اللقاء الثلاثي. وبالفعل، عقد سامي المنفي في الرباط مؤتمراً صحافياً مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، حاول من خلاله طمأنة «المتخوّفين» من تشكيل «مؤسسات وآلية إقليمية ثلاثية تجمع الجزائر وتونس وليبيا»، قد يكون لها دور في معالجة الأزمة الليبية وأزمات دول الساحل والصحراء الأمنية والاقتصادية، وأيضاً تلعب دوراً في المباحثات مع أوروبا والولايات المتحدة والعواصم العالمية المعنية بملفات الأمن والهجرة والطاقة والمعادن الثمينة، ومستقبل دول منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط سياسياً وأمنياً وجيو - استراتيجياً.

التنسيق مع الجامعة العربية

من جانبه، صرح السفير أحمد بن مصطفى، المدير العام السابق للشؤون العربية في الخارجية التونسية، في حوار مع «الشرق الأوسط»، بأنه لا يتوقع «تغييرات كبيرة ميدانياً» أو «انفراجة في الأزمات الداخلية لتونس والدول المغاربية»، و«لا في علاقات تونس بكل من ليبيا والجزائر». وفسّر موقفه «غير المتفائل» بكون المغرب «لا يدعم» هذا المسار الجزائري - التونسي - الليبي لاعتباره إياه محاولة لإقصاء الرباط. ومن ثم، أشار السفير إلى اتهامات في المغرب للجزائر بأنها تسعى إلى «الاستفادة» من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في تونس وليبيا، من أجل «تغيير التوازنات السياسية في المنطقة» لمصلحتها.

كذلك، رأى بن مصطفى أن «من مصلحة الدبلوماسية التونسية التزام قدر أكبر من الحياد في النزاعات الإقليمية»، وتطوير حضورها في مؤتمرات مؤسسات العمل العربي المشترك ومنظمات جامعة الدول العربية والتعاون الإسلامي والاتحاد الأفريقي وفي الأمم المتحدة، والتأثير في مسارات الصراع العربي – الإسرائيلي، والفلسطيني - الإسرائيلي «عوض البحث عن آليات بديلة أصغر».

ومن ثم لاحظ أن «الحضور العربي والإسلامي والأفريقي لتونس تراجع، بل أصبح ضعيفاً، وهذا ما يجب تداركه عبر مزيد من التطوير للشراكات والتعاون مع كل الدول العربية مشرقاً ومغرباً دون إقصاء».

حل وسط... و«لعبة محاور»

من جهة أخرى، قال عبد الله العبيدي، الدبلوماسي التونسي السابق في ألمانيا وفي المنطقة المغاربية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «الدبلوماسية التونسية مدعوة للعب دور وسط، وأن تدعم دوماً الحلول الوسطى، وأن تضمن توازناً في علاقاتها مع كل من المغرب والجزائر».

وأردف العبيدي أن الدبلوماسية التونسية تميّزت في عهدي الرئيسين الأسبقين الحبيب بورقيبة (1956 - 1987) وزين العابدين بن علي (1987 - 2011) بـ«تحقيق توازن» في علاقاتها بالرباط والجزائر، بما في ذلك في المراحل التي اندلعت فيها نزاعات مسلحة بينهما حول الحدود أو حول الصحراء. وعبّر عن موقف مماثل وزير الخارجية الأسبق السفير أحمد ونيس، الذي دعم مبدأ التنسيق الثنائي والثلاثي بين البلدان المغاربية، لكنه أعلن بوضوح أن الاتحاد المغاربي لا يُمكن أن يُقصي أي بلد عضو، وتحديداً المغرب الذي استضاف قمة التأسيس في 1989، كما أنه يستضيف الأمانة العامة للاتحاد منذ 35 سنة. ويتخوّف ونيس، في هذا السياق، من أن تدفع عواصم غربية دولاً في المنطقة نحو «صراعات ثانوية» تؤدي إلى اصطفاف مزيد من الدول العربية والإسلامية والأفريقية حول هذا المحور أو ذاك.

العبيدي يتخوّف، بدوره، من أن تزداد الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، وملفات الهجرة في تونس وفي المنطقة المغاربية، تعقيداً، على الرغم من الدعوات للحوار ورفض التدخل الأجنبي الصادرة عن اللقاء الثلاثي. في حين لم يستبعد أحمد بن مصطفى «تعميق الأزمات الحالية»؛ بسبب «هشاشة الجبهة الداخلية في الدول المغاربية وضعف حكوماتها»، بل توقّع دخول تونس ودول المنطقة في مرحلة اللا استقرار في ضوء «استفحال» الأزمات في ليبيا، وتعمّق الخلافات بين الرباط والجزائر.

باريس وروما... وواشنطن وأنقرة

في هذه الأثناء، أشارت أوساط سياسية تونسية ومغاربية إلى تكثيف كل من واشنطن وباريس وروما وأنقرة تحركاتها ومبادراتها لـ«تسوية الأزمات» في ليبيا وتونس والدول المغاربية، وفي منطقة الساحل والصحراء.

وزاد نسق هذه التحركات عشية انعقاد لقاء قرطاج الثلاثي وبعده؛ إذ زارت جورجيا ميلوني، رئيسة الحكومة اليمينية الإيطالية، تونس للمرة الرابعة خلال سنة واحدة، يرافقها وفد يضم وزير الداخلية الإيطالي. وبعد ذلك بأيام، زار تونس وفد عسكري إيطالي برئاسة وزير الدفاع، ثم وفد برئاسة وزير الثقافة. وزارها أيضاً وزير خارجية الحكومة اليمينية في المجر، التي تلتقي مع حكومة ميلوني من حيث مواقفهما المتشددة مع المهاجرين الجدد، ومطالبة تونس وليبيا والجزائر بـ«تعاون أكبر» أمنياً في معالجة معضلة «الهجرة غير النظامية»، وترحيل المهاجرين الآتين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء.

وفي الوقت عينه، أجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مكالمة هاتفية مع نظيره التونسي قيس سعيّد، شملت المحاور التي تطرق إليها البيان الختامي للقاء قرطاج الثلاثي. وفهم متابعون في تونس هذه المكالمة بأنها «رسالة سياسية» عن «التفاعل الفرنسي مع التقارب السريع بين تونس وكل من إيطاليا والولايات المتحدة والجزائر»، وذلك في مرحلة تزايد التنسيق الأميركي - التركي - الإيطالي - الجزائري في ليبيا، وفي كامل دول الاتحاد الأفريقي الذي يتولى رئاسته مجدداً الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

كل هذه المعطيات تؤكد أن مبادرة تنظيم لقاء قرطاج حرّكت كثيراً من المياه الراكدة إقليميا ودولياً، وهذا، بينما تتابع واشنطن تفعيل دورها في تونس وليبيا وفي كامل المنطقة عبر آليات عديدة، بينها «المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة». وتشمل هذه الأخيرة تدريبات «الأسد أفريقيا 4» التي نُظّمت قبل أيام في تونس والمغرب والسنغال وغانا، وشاركت فيها قوات تونسية مع نحو 7 آلاف عسكري من 20 دولة؛ أبرزها الولايات المتحدة والمملكة المغربية. أعربت أوساط مغاربية عن «تخوّفات» من إنشاء «آلية ثلاثية مغاربية للتشاور» لا تشمل الرباط ونواكشوط


مقالات ذات صلة

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)
حصاد الأسبوع جريمة اغتيال رفيق الحريري (غيتي)

لبنان يواجه تحدّيات مصيرية في زمن التحوّلات

يواجه لبنان جملة من التحديات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً في مرحلة التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة وترخي بثقلها على واقعه الصعب

يوسف دياب (بيروت)
حصاد الأسبوع تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني

براكريتي غوبتا (نيودلهي (الهند))
حصاد الأسبوع تشون دو - هوان (رويترز)

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».