شارلز ليستر
- زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط
TT

«داعش» والمخيمات السورية

رغم أن «الدولة» الإقليمية لـ«داعش» قد تلقت هزيمتها النهائية في قرية الباغوز، شرق سوريا، منذ ما يقرب من ثلاث سنوات ونصف السنة، إلا أن التنظيم الإرهابي لا يزال على قيد الحياة.
فخلال الأسبوعين الماضيين فقط، كان التنظيم مسؤولاً عن 5 هجمات على الأقل في شمال شرقي سوريا، بينما جرى اعتراض 3 سيارات مفخخة وعدد من المهاجمين الانتحاريين التابعين لـ«داعش» في طريقهم لشن هجمات إضافية. وبعد أيام من الأحداث الأخيرة، أسفرت غارة استخباراتية نفذتها «قوات سوريا الديمقراطية» عن مصادرة كمية كبيرة من أسلحة «داعش»، بما في ذلك عشرات البنادق الهجومية، وأكثر من 100 قذيفة صاروخية، وصواريخ مضادة للدبابات، إضافة إلى قنابل يدوية ومتفجرات، ومئات الآلاف من الذخيرة.
لم تكن هذه الحوادث مجرد تذكير آخر بتهديد «داعش» المستمر، بل أكدت أيضاً أن أقوى دافع للتنظيم اليوم هو الاعتقال الجماعي لنحو 56 ألف امرأة وطفل، واحتجاز 12 ألف مقاتل في المخيمات والسجون في شمال شرقي سوريا. كما أن دعاية «داعش» وبياناته الأخيرة التي يدعي فيها مسؤوليته عن الهجمات، قد وضعت مهمة إخراج النساء والأطفال والرجال من الاعتقال كهدف أول للتنظيم.
ولطالما كان إطلاق سراح السجناء مسألة ذات أهمية كبيرة لـ«الجهاديين». لكن، بالنسبة لتنظيم «داعش»، كان هذا أمراً حيوياً من الناحية الاستراتيجية. فبين عامي 2012 و2013، واصل التنظيم حملة «هدم الجدران» التي استمرت لمدة عام في سوريا والعراق، حيث هاجم العديد من مرافق السجون، وأحيا حركة تمرده عبر الحدود الوطنية. ولأن التنظيم يعطي الأولوية بالفعل للأهداف نفسها في عام 2022، فيجب أن يكون ذلك بمثابة تحذير صارخ من نياته.
اليوم، تسيطر «قوات سوريا الديمقراطية» على شبكة تضم ما يقرب من 20 سجناً مؤقتاً في جميع أنحاء شمال شرقي سوريا، وتحتجز فيها ما يقرب من 12 ألف مقاتل من الذكور: 5000 سوري، و3000 عراقي، و2000 من رعايا «البلدان الثالثة». وفي حين أدى تدفق التمويل البريطاني عام 2021 والإنفاق الدفاعي الأميركي عام 2022 إلى تحسين أمن هذه المرافق، فإنها لا تزال عُرضة للهجمات. وكما كان الحال مع هجوم «داعش» الكبير على سجن غويران في الحسكة، في يناير (كانون الثاني) 2022، فإن السجون معرضة أيضاً لمحاولات «داعش» استهداف حرس «قوات سوريا الديمقراطية».
في نهاية المطاف، لا يزال مصير هؤلاء المحتجزين الذكور البالغ عددهم 10 آلاف شخص مجهولاً، حيث لا ترغب أي حكومة بالخارج في النظر بإمكانية إعادتهم إلى الوطن، إذا ما أخذت في الاعتبار المخاطر والتكاليف ذات الصلة. ومع ذلك، فإن التحدي المرتبط بـ56 ألف امرأة وطفل محتجزين حالياً في مخيمي «الهول» و«الروج»، يجب أن يكون أمراً يمكن للمجتمع الدولي التعامل معه بصورة أكثر واقعية. ومن هذا الرقم، هناك 29 ألف عراقي، و18 ألف سوري، و9 آلاف على الأقل من 51 «دولة ثالثة»، و50 في المائة على الأقل من سكان المخيمين هم تحت سن 12 عاماً.
كما أن الحكومة العراقية منشغلة في برنامج للإعادة شبه الشهرية للمحتجزين العراقيين إلى الوطن، ويجري إرجاع السوريين المؤهلين إلى مجتمعاتهم كجزء من ترتيبات توسطت فيها العشائر.
ومنذ أوائل 2019، أعادت 34 حكومة على الأقل بعض مواطنيها من مخيمي «الهول» و«الروج». وفي العام الماضي، أجرت 18 حكومة على الأقل عمليات إعادة إلى الوطن. وفي هذا الشهر، من المقرر أن تنفذ 3 عمليات أخرى. لكن لا يزال هناك حتى اليوم 9000 من النساء والأطفال من «بلدان ثالثة» محاصرين، في ظروف مزرية متخمة بالأمراض وسوء التغذية والعنف والتطرف. ومن بين 34 حكومة شاركت في إعادة النساء والأطفال إلى أوطانهم، هناك 3 حكومات فقط من الشرق الأوسط: المملكة العربية السعودية (طفلان في عام 2019)، والأراضي الفلسطينية (طفلان في أغسطس/آب 2021)، والمغرب (لا تزال التفاصيل المحددة غير مؤكدة). ولوضع الأمر في سياقه: فمن بين نحو 2500 امرأة وطفل أعيدوا إلى «بلدان ثالثة» منذ عام 2019، كان أقل من 0.2 في المائة من هؤلاء من منطقة الشرق الأوسط. لكن الواقع يقول إن نسبة كبيرة من مواطني دول العالم الثالث في مخيمي «الهول» و«الروج» هم من الشرق الأوسط.
وفي إطار الدبلوماسية الدولية خلال الشهور الأخيرة، سواء كانت علنية أو خلف الأبواب المغلقة، اكتسبت «معضلة المعتقلين» اهتماماً كبيراً وزخماً سياسياً ذا مغزى. وللمرة الأولى، هناك شعور بوجود توافق في الآراء بأن تجاهل المشكلة لم يعد خياراً ملائماً، وأن العمل بشأن الإعادة إلى الوطن أصبح الآن أمراً حتمياً. وبينما تتعامل الحكومات كل على حدة مع هذه القضية بطريقتها الخاصة، بعضها علناً وبعضها على نحو أكثر هدوءاً، فإن الوضع بالنسبة للحكومات في الشرق الأوسط يبدو جامداً إلى حد كبير. وهذا ليس وضعاً قابلاً للاستدامة.
وعندما توسع تنظيم «داعش» بشكل كبير في سوريا والعراق في صيف 2014، وقتل الآلاف، وهدد بالإبادة الجماعية ضد الإيزيديين العراقيين، تحرك العالم بشكل لم يسبق له مثيل. وفي غضون أسابيع، شُكل تحالف دولي لا سابق له لمحاربة الجماعة الإرهابية، شمل 10 حكومات إقليمية هي: البحرين، والعراق، والأردن، والكويت، ولبنان، وعمان، وقطر، والسعودية، والإمارات، واليمن. وفي تلك اللحظة المحورية، اتحد العالم في إطار هدف مشترك: مكافحة الإرهاب. واليوم، نحن نواجه لحظة حاسمة مماثلة، حيث يسعى التحالف العالمي إلى تحويل النصر التكتيكي (هزيمة «داعش» على الأرض) إلى انتصار استراتيجي. ولا يمكن تحقيق هذا التحدي من دون مشاركة الشرق الأوسط، إذ ما دامت أزمة مخيم «الهول» بقيت من دون حل، فلن يستفيد منها سوى تنظيم «داعش» الإرهابي.