باميلا بول
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

الاستعداد للعودة الكاملة للمكتب

بالنسبة إلى المحظوظين الذين يعملون من المنزل طوال العامين ونصف العام الماضية أو ربما طوال 7 سنوات، أو أياً كان الأمر، لقد آن أوان العودة إلى المكتب مرة أخرى. نحن أخيراً في مرحلة تحقيق هدف التعافي من الكوارث في العالم الحقيقي، على الأقل حتى تضربنا الموجة التالية.
ما الذي يعنيه هذا تحديداً إذن؟ بحسب مايك روبنز، أحد المتحدثين عبر منصة «تيد»، ومستشار الشركات، ومؤلف كتاب «أحضر نفسك بالكامل إلى العمل»، يعني التمكن من «الحضور بشكل كامل» و«السماح برؤية الآخرين لنا» في مكان العمل. بالنسبة إلى روبنز، من «الضروري» توفير بيئة عمل «يشعر الناس فيها بالأمان بقدر يشجعهم على العمل بكل جوارحهم وكيانهم». إن «إحضار كامل النفس» من العبارات الشائعة الموثقة على «غوغل»، ويتم الحثّ على تطبيقها. ليس عليك في مكان العمل الجديد هذا أن تتفادى المشكلات وتكتفي بأداء عملك، بل أن تحضر «نفسك بالكامل» إلى مكان العمل، بما فيها من عيوب شخصية، ونقاط ضعف، وما إلى ذلك.
ربما تكون قد سمعت عن ابن عم «النفس بالكامل»، وهي «النفس الأصيلة»، التي يتم الحثّ على إحضارها إلى مكان العمل هي الأخرى. بحسب منصة «بيتر آب»، التي تقدم نفسها باعتبارها أول من تطرق إلى مفهوم «الشخص الكامل»: «يعني ذلك الاعتراف بشخصيتك، بما فيها من أجزاء غريبة، والإفصاح عن اهتماماتك وآمالك وأحلامك، حتى مخاوفك، وإن لم يبدُ أي من ذلك ذا صلة بعملك!».
يمكن القول بعبارة أخرى إنه بالنسبة إلى العالم خارج قسم الموارد البشرية، من المؤكد أن عبارة «إحضار نفسك بالكامل إلى العمل» مثيرة للغثيان، ونادراً ما تثير عبارة من مصطلحات الشركات هذا القدر من الغضب والسخط. مع ذلك، خلال السنوات القليلة الماضية اكتسبت حركة «النفس بالكامل» زخماً، ومن أسباب ذلك ارتباطها ببرامج التنوع المؤسسي المعزز والإنصاف والإدماج. والهدف من ذلك هو السماح للموظفين بالتعبير بأريحية عن جوانب شخصياتهم في مكان العمل، حتى لو لم يكن ذلك ذا صلة بالعمل على أي مستوى، فالشعور بالراحة أمر لطيف بالتأكيد. المشكلة بالنسبة إلى كثير من الناس، هي أنه لم يعد من المريح إحضار كافة تفاصيل حياتهم وشخصياتهم إلى مكان العمل، والحضور يومياً بلا كلل أو ملل. كذلك لم يعد هذا ضرورياً فيما يتعلق بالإنتاجية، فلا أحد يريد أن يظهر حياته العاطفية أو آراءه السياسية أو قيمه أو هويته أمام زملائه على نحو يتعلق بأدائهم. بالنسبة إلى البعض، من الأفضل أن تظل الحياة الشخصية داخل النطاق الخاص.
إليكم البديل، فليحضر كل شخص الجوانب المتعلقة بالعمل على الأقل في البداية. هل تتذكر تلك الأجزاء المتفرقة، مثل ذلك الجزء الذي شعر بالقلق تجاه كل علامة ترقيم في سيرته الذاتية، والذي ارتدى بزة في أول مقابلة عمل، أو ذلك الجزء من الفتاة التي حثتها أمها على وضع مساحيق التجميل للفت الأنظار في مكان العمل؟ إنه الأمر القديم الذي اعتدنا أن نسميه «الالتزام بالمهنية»؛ وهو النحو الذي كنت عليه طوال فترة عملك في الشركات، إلى أن تم حذف التزمت والجدية الزائدة عن الحد من عقيدة الموارد البشرية السائدة.
مع ذلك «إحضار نفسك بالكامل إلى العمل» ميزة زهيدة الثمن، فمن الأسهل على أصحاب العمل توفير ذلك عوضاً عن زيادة الأجور، وهو أمر غامض بدرجة تجعله بلا معنى إلى حد كبير؛ وهو ليس متاحاً للأغلبية من القوى العاملة الأميركية. لا يطلب أحد من عامل على خط إنتاج أو ممثل لخدمة العملاء إضافة نقاط ضعف شخصية إلى المشروع. بالنسبة إلى أكثر الموظفين، الذين يجنون أرباحاً كبيرة، ليس المغزى والهدف من الوظيفة هو تمكين الموظف من تحقيق ذاته، بل توفير المأكل وأسباب المعيشة والحياة.
في النهاية، المكتب ليس هو المكان الوحيد الذي توجد فيه، فلماذا تحضر كامل نفسك إليه؟ إذا أحضرت أفضل أجزاء أو جوانب منك، أو على الأقل الجزء الذي يؤدي العمل الفعلي، فعلى الأرجح سوف تحصل على مكافأة مقابل ذلك. لقد أخبرتني صديقة ومديرة سابقة في «بومر فينتدج» أنها تُعزي نجاحها إلى إحضار الجانب الأفضل منها إلى العمل، والحرص على بقاء الجزء الانتقادي سريع الغضب والانفعال من شخصيتها في المنزل. لماذا يتم حرمان الناس من فرصة الشكوى من العمل إلى الأزواج أو رفقاء السكن في اللحظة التي يمرون فيها من الباب؟ فهذا هو المكان الذي تنتمي إليه تلك الأمور رغم تلك المحاولة المضللة الحالية.
كذلك من الظلم الطلب من مكان العمل أن يتعامل مع كل آمالك وأحلامك ومشكلاتك. قال مدير تنفيذي لمؤسسة محاماة: «إنهم يتوقعون من المؤسسة أن تقدم كل شيء، مثل الحركات الاجتماعية أو السياسية، فهل يمكنك الحصول على الحب والتعافي في المنزل من فضلك؟»
من المفهوم أن الأمور قد أصبحت ضبابية، فخلال فترة الوباء تشارك كثير منا أموراً كثيرة بقدر أكبر مما كان يحدث في السابق. مع ذلك، لا يشعر الجميع بالارتياح من معرفة زملائه في العمل لكثير من الأمور عنهم.
يمكنك التفكير أيضاً في ميزة إضافية؛ حيث بات لديك عذر الآن لإخراج الجزء الذي يؤدي العمل من المنزل، فربما يكون بعض الأشخاص الساكنين في المنزل قد شعر بالملل تجاه هذا الجزء.
* خدمة «نيويورك تايمز»