إميل أمين
كاتب مصري
TT

أميركا وحديث «الإخوة الأعداء»

عبّر حارسان ينتميان إلى جنود المارينز، في دلالة لا تخطئها العين، وخلفية حمراء قانية، تعكس إشعاعاً يذكّر بالأنظمة الشمولية، وحديث تقسيمي، وصفه المعلق الأميركي الشهير، بن شابيرو، بأنه «خطاب ديماغوغي»، هو الأول من نوعه لرئيس أميركي منذ نحو مائتي عام، وجد الأميركيون أنفسهم وكأنهم «إخوة أعداء»، التعبير الرديف لرواية «الإخوة كارامازوف»، لكاتبها الأديب الروسي الأشهر فيودور دويستفسكي.
ما الذي يجري في الداخل الأميركي، وهل الأمر محصلة طبيعية لاحتقانات سياسية، بدأت قبل عقود، وبلغت أوجها في زمن الانتخابات الرئاسية الأخيرة المختلف عليها، في 2020؟
الذين قدّر لهم الاستماع إلى سيد البيت الأبيض، حكماً قد أخذتهم الصاعقة من جراء توصيف الرجل لمؤيدي الرئيس ترمب بالمتمردين والخطر على مسيرة البلاد الديمقراطية، وكيف أنهم يهددون أسس الجمهورية الأميركية.
بدا بايدن وكأنه يعتنق فكر المؤامرة، الذي تم تصويره على أنه حكر على شعوب العالم الثالث، فقد اعتبر أن ما يحدث في الولايات المتحدة أمر غير طبيعي، وأن الحزب الجمهوري في 2022 كان ولو بشكل جزئي تحت سيطرة وقيادة ترمب وأنصاره.
تخوين ترمب لم ينسحب على بضع مئات، أو مئات الألوف من الأميركيين الذين يؤمنون بترمب، بل يمتد ليشمل قرابة الخمسة والسبعين مليوناً، وربما تصاعد العدد بعد زيارات مكتب الاتحاد الفيدرالي، لمنتجع ترمب في فلوريدا؛ الأمر الذي طرح التساؤل العميق «أهذه هي أميركا أم كيان آخر لا علاقة له بالديمقراطية، سيما أن سلفه أوباما قيل أنه لا يزال يحتفظ بأرقام مضاعفة من الوثائق الرسمية الرئاسية، ولم يجرؤ أحد على المناداة باسمه، أو توجيه اتهامات مماثلة له؟
خطاب «روح الأمة»، الذي ألقاه بايدن، وضعه في مأزق عميق جداً... مأزق يبين إلى أي مدى فشل الرئيس الأميركي السادس والأربعون في الإيفاء بأحد أهم وعوده الانتخابية المتمثلة في لمّ شتات الأمة، التي تبعثرت، وتوحيد كلمتها التي تفرقت.
عمّق بايدن حالة الاستقطاب السياسي، ونكأ جراحات الانتخابات الرئاسية السابقة، وذلك من خلال إنكاره على أتباع ترمب إيمانهم بسيادة القانون، واعترافهم بإرادة الشعب.
تجاوزت لغة بايدن التشكيك في النوايا والطوايا، إلى حد التلويح بالقوة، في مواجهة المختلفين ومع الديمقراطيين بشكل عام، وقد بدا صريحاً غير مريح في عباراته، من عينة «إنهم لا يعرفون قدر القوة التي نملكها»؛ الأمر الذي يجعل المشهد ملتبساً على المشاهدين، فعمن يتحدث الرئيس، أعن أميركيين مختلفين، أم عن أعداء وإرهابيين؟!
منذ مساء الجمعة الماضي، وأميركا ليس لها حديث إلا عن المعنى والمبنى لظهور جنديين في خلفية الخطاب، وهل المقصود منها إدماج القوات المسلحة الأميركية، في الصراعات السياسية القائمة والقادمة بطول البلاد وعرضها، لا سيما بعد التقارير الاستخبارية التي تنذر وتحذر من مرحلة المواجهات العنيفة التي ربما تبدأ مع انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وقد يشتعل أوارها ليطال الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024، تلك التي حذّر منها ثقات أميركا، جمهوريون وديمقراطيون، طويلاً، خلال العام الماضي.
هل الأميركيون إزاء مرحلة جديدة خطيرة قادمة يتم التلاعب فيها بإرادة الناخب الأميركي، وتهديده بالقوة القادرة وربما القاهرة، وتمهيداً لمرحلة من القمع المخيف؟
ربما نجد الجواب عند كاتبة العمود الأميركية، جنيفر روبن، عبر تغريدة، سرعان ما أزالتها، قالت فيها «إن خطاب بايدن جاء في موعده، وإنه حان الوقت للاعتقالات الجماعية الواسعة».
في ظل هذه الأجواء كانت ردة فعل طبيعية أن يصف ترمب خلفه بايدن بأنه «عدو الدولة»، وذلك أمام أنصاره الذين احتشدوا للمشاركة في تجمع انتخابي، مساء السبت، في ولاية بنسلفانيا.
يعنّ لنا أن نتساءل «أميركا إلى أين وسط حالة التخوين والتخويف غير المعتادة، إذا استثنينا المرحلة المكارثية التي طالت فيها لوائح الاتهام تجاه كل من كان يُشَك في ميوله اليسارية في خمسينات القرن الماضي؟».
مؤخراً، تتعالى أصوات أميركيين يؤمنون بفكرة المواجهة الحتمية والضرورية القادمة؛ ما يمهد الطريق ربما لحرب أهلية أميركية.
حرب أهلية أميركية، ليست كارثة على أميركا فحسب، بل على العالم برمته... فهل تدخل واشنطن الجميع في فوضى غير خلاقة تبدأ هذه المرة من فوق ترابها الوطني؟