فاي فلام
TT

أحدث ألغاز «كوفيد»: متى ستحصل على جرعة أخرى؟

إنه لشعور بديهي أن لقاحاً معززاً مُعادة صياغته يستهدف متحور «أوميكرون بي إيه 5» سيحسن بشكل كبير من درجة حمايتنا ضده، وكذلك أي سلالة قد تهددنا في الخريف؛ لكن التوقعات لا تتوافق دائماً مع البيانات العلمية.
ليس من البديهي على الإطلاق التفكير في أن الانتظار لمدة 6 أشهر قبل الحصول على التعزيز يحسن الحماية بشكل كبير. لكن هذا ما تُظهره البيانات، ووفق ما بدأ في التجلي لعدد قليل من الباحثين الذين يبحثون في المعامل عن كيفية عمل أنظمتنا المناعية، وما هي قادرة عليه... كل ذلك مع إعطاء الوقت الكافي للباحثين.
لا توجد بيانات عامة حول فاعلية المعززات الخاصة بـ«أوميكرون بي إيه 5» المتداولة حالياً. ومع ذلك، فقد اشترت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أكثر من 170 مليون جرعة من شركتي «فايزر بيونتيك» و«موديرنا»، في انتظار توصية من مراكز السيطرة على الأمراض. وستكون الجرعات متاحة لجميع البالغين الذين تم تطعيمهم بالكامل، وبالنسبة لشركة «فايزر»، ستكون متاحة للمراهقين أيضاً.
من جانبه، قال بول أوفيت، طبيب الأطفال في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا، وعضو اللجنة الاستشارية للقاحات التابعة لـ«إدارة الغذاء والدواء»: «ليست لدينا بيانات إكلينيكية، ولا حتى معادلة بيانات الأجسام المضادة لدى الأشخاص. هناك دراسة أجريت على الفئران؛ لكن لم يرها أحد».
أيضاً قام العلماء بجمع بعض البيانات حول الفاعلية المحتملة لعقار مُعزز يستهدف إصداراً سابقاً من «أوميكرون بي إيه 1»، عن طريق قياس مدى جودة هجوم الأجسام المضادة في عينات الدم المأخوذة من متطوعين للفيروس، ووجدوا أن تضمين مكون «بي إيه 1» لم يقدم سوى تحسين متواضع على المعززات الأصلية.
وأضاف بول أوفيت أن الاختلاف كان مشابهاً للاختلافات بين جرعات «فايزر» و«موديرنا» وهو فارق يقول إنه ليس مهماً من الناحية السريرية.
تستخدم الصيغة الجديدة تقنية شركة «ميرنا» نفسها المستخدمة في الجرعات الأصلية؛ لكنها تتضمن مادة وراثية جديدة تتوافق مع متحورَين وثيقي الصلة: «بي إيه 4» و«بي إيه 5».
وأفاد جون بي مور، عالم الفيروسات في كلية طب وايل كورنيل، بأن الجرعة الجديدة من غير المرجح أن تشكل أي تهديد صحي جديد، ولكن إذا لم تكن أفضل من الأصلية، فإنها تمثل إهداراً للموارد، مضيفاً أن غالبية الأشخاص الذين يتم نقلهم إلى المستشفى والمحتضرين غير محصنين، أو تخطوا جرعة التعزيز الأولية.
المجموعة الوحيدة التي يجب أن تكون الصيغة الجديدة مهمة بالنسبة لها هي غير الملقحة تماماً؛ لكنهم، لسبب غير مفهوم، غير مؤهلين للحصول عليها. وبدلاً من ذلك، سيتعين على أي راغبين جُدُد قرروا أخيراً الحصول على التطعيم أن يحصلوا على اللقاحات الأصلية أولاً، وهو ما علَّق عليه مور قائلاً: «أنا لا أفهم ذلك على الإطلاق».
ويحذر الدكتور أوفيت من أن نمذجة حملة تطعيم «كوفيد» على غرار الإنفلونزا خطأ، إذ تتحور فيروسات الإنفلونزا بطريقة يمكن أن تجعل جرعات العام غير فعالة تماماً، ولكن هذا ليس هو الحال على الإطلاق بالنسبة لـ«سارس كوف 2». لهذا السبب يجب ألا يقلق أولئك الذين حصلوا للتو على جرعة معززة الصيف؛ حيث يمكننا الانتظار بضعة أشهر أخرى، من دون خوف من فقدان ترقية رئيسية للجرعة.
لدى العلماء طريقتان للتفكير في الأداء المماثل للصيغتين الجديدة والقديمة؛ إحداهما ظاهرة أصبحت تسمى البصمة المناعية، والفكرة هي أن الجهاز المناعي يعلق بالتركيز على الهدف الأصلي للقاح، ولا يمكنه التكيف بشكل جيد مع اللقاح الجديد. ويعترف العلماء بأنهم لا يملكون فهماً جيداً لسبب حدوثه، أو مدى أهمية لقاحات «كوفيد».
وقال عالم المناعة ديوان ويسمان، إن التفسير الأفضل للأداء المتشابه للقاحات الجديدة والقديمة، هو أكثر من مجرد فكرة نصف كاملة. فاللقاحات الأصلية تعمل بشكل جيد ومدهش ضد المتحورات الجديدة، إذا أعطيت الوقت الكافي. إذن الوقت هنا هو المفتاح.
درس ويسمان الذي يرأس مختبراً مرتبطاً بكلية الطب بجامعة هارفارد ومستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، آثار الوقت، بعد الحيرة بشأن نتائج بعض التجارب التي أُجريت مباشرة، بعد أن بدأ متحور «أوميكرون» في الانتشار أواخر الخريف.
في ذلك الوقت، حذر العلماء من أن الأجسام المضادة المأخوذة من دماء الأشخاص الذين تم تلقيحهم بالكامل ليست لديها أي قدرة تقريباً على تعطيل متحور «أوميكرون»؛ لكن الأجسام المضادة من الأشخاص الذين تم تعزيزهم بعد فترة 6 أشهر عملت بشكل معقول جداً.
وتساءل ويسمان: لماذا إعطاء جرعة إضافية من شيء يعمل بشكل ضعيف للغاية ضد «أوميكرون» يكون له مثل هذا التأثير المفيد؟ بعد سلسلة من التجارب التي أجريت على أنابيب الاختبار والحيوانات، وضع ويسمان نظرية تقول: يحدث ذلك لأن أنظمتنا المناعية تعمل بهدوء على تحسين جودة لقاحنا، أو الحماية التي تسببها العدوى بمرور الوقت.
يستمر جهازنا المناعي في صنع واختبار أجسام مضادة أفضل وأفضل. كل جيل منها يتشكل بشكل مثالي أكثر للالتصاق بالبروتينات الفيروسية. لا يقوم الجهاز المناعي بذلك بالذكاء الواعي؛ لكن الخلايا تخضع لعملية تشبه الانتقاء الطبيعي، إذ يجري إنتاج مجموعة متنوعة من الأجسام المضادة المماثلة مع كل جيل، مما يوفر فقط «الأصلح»؛ الأجسام التي تعمل بشكل أفضل لانتزاع البروتينات الأساسية للفيروس.
قد تختلف المدة التي تستغرقها هذه العملية من شخص لآخر، يقول ويسمان إنها قد تتراوح بين 4 و6 أشهر. بعد ذلك، بمجرد حصولك على التعزيز، فإنك تعزز مجموعة من الأجسام المضادة العالية الجودة.
لماذا يساعدنا ذلك في محاربة «أوميكرون» بلقاح مصمم لمتحور أقدم بكثير يعود إلى الطريقة التي تختلف بها فيروسات «كورونا» عن فيروسات الإنفلونزا؟ يمكن للإنفلونزا تغيير المكونات الكاملة لإعاقة المناعة تماماً، ولكن في حالة «كوفيد-19»، على الأقل حتى الآن، لم يتمكن أي متحور من تغيير جميع مكونات البروتين الشوكي.
هناك دائماً شيء «محفوظ»، كما يسميه العلماء. لذلك، فرغم أن اللقاح الأصلي لا يمكنه مهاجمة سوى جزء من بروتين «أوميكرون»، فإن فترة التحسين تستغرق أشهراً طويلة، ويمكن للداعم أن يفعل ذلك بدقة عالية كسكين صغير يقطع قلب الفيروس.
هناك اختلافات وراثية بشرية تجعل المعززات أكثر فاعلية لدى بعض الأشخاص من غيرهم، ولن يحصل بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في المناعة على الحماية نفسها من اللقاحات. ولكن بالنسبة لغالبيتنا، هناك جانب إيجابي كبير للحصول على معزز، بعد أن يكون لدى جسمك الوقت لتنقيح مكتبة الأجسام المضادة الخاصة به.
لذلك ربما يكون الجانب الإيجابي في احتضان إدارة بايدن للمعززات الجديدة، هو أنها تجذب الأشخاص الذين لم تكن لديهم أي معززات، والذين سيستفيدون من أي من الإصدارين.
من المحتمل أن يساعد الحصول على معزز «بي إيه 5» ثانٍ بعد 6 أشهر في منح الناس حماية أفضل، ولكن بحلول ذلك الوقت قد يكون هذا البديل قد اختفى. وما سيحل محله لا يمكن التنبؤ به، بعد أن جرى تجنيد كافة الإمكانات في المعركة التي دامت عامين ونصف عام ضد «كوفيد-19».
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»