أعلنت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها مؤخراً أنها ستجري إصلاحات ذاتية، وذلك استجابة منها للأخطاء التي اقترفتها في التعامل مع جائحة فيروس «كوفيد»، إلا أن أول شيء يجب أن يفعله مركز السيطرة على الأمراض توضيح ماهية هذه الأخطاء.
وفي الوقت الذي يعتقد فيه كثير من الخبراء أن هذه الأخطاء واضحة، فإن نصف الرأي العام يفترض أن الأخطاء تضمنت فرض كثير من القواعد الصارمة للغاية التي جرى الإبقاء عليها فترة طويلة للغاية، بينما يفترض النصف الآخر أن الأخطاء كلها تدور حول القواعد التي كانت فضفاضة للغاية، وجرى التخلي عنها في وقت مبكر للغاية.
ويساور البعض الغضب من أن الوكالة اقترحت أن الأشخاص الذين جرى تطعيمهم باستطاعتهم خلع أقنعة حماية الوجه في ربيع وصيف عام 2021، ويشعر آخرون بالغضب من عودة فرض ارتداء الأقنعة وانتشارها مع تعامل الدولة مع متحورات الفيروس القادرة على مراوغة اللقاحات.
وتعمل مراكز السيطرة على الأمراض كذلك على إجراء دراسات. هنا أيضاً، يرى بعض الناس أن الوكالة أخطأت في الترويج لدراساتها الخاصة قبل أن تجري مراجعتها من قبل الأقران. ويتهم آخرون مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالبطء الشديد في نشر بياناتها.
المعروف أن الغرض من مراكز السيطرة على الأمراض خدمة الجمهور. ويتمثل جزء من هذا الغرض في التواصل معنا بوضوح وصدق. ويعني هذا التحلي بالصدق تجاه المواقف الضبابية المشوشة. الأمر الذي دوماً ما يمثل مشكلة على صعيد العلم، لكن المشكلة تزداد صعوبة عند التعامل مع أمر لم يحدث من قبل (مع أنه وقع من قبل وباء إنفلونزا عام 1918، لكن فيروس «كوفيد» عامل ممرض مختلف تماماً ينتشر في عالم متغير).
في وقت مبكر من الجائحة، كان على مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها التصرف حيال موقف جديد كان يهدد بالتسبب في انهيار نظام الرعاية الصحية ما لم يتحركوا على الفور، قبل أن يتوافر أي وقت لإجراء دراسات. وكان ذلك الوقت الذي من الممكن أن تساعد فيه الشفافية الكاملة أكثر عن أي وقت. وكان من شأن التحلي بالشفافية في ذلك الوقت مساعدة الناس على فهم وقبول فكرة أن السياسات ستتغير مع تطور معرفة العلماء بما يتعاملون معه.
بجانب ذلك، لم تفصح المراكز قط عن الأهداف المرجو تحقيقها من وراء بعض التوصيات بشكل كافٍ. مثلاً، ما هي أهداف جميع أوامر البقاء في المنزل التي أصبحت تُعرف باسم عمليات الإغلاق؟ وجرى فرض عمليات الإغلاق، ورفعت قبل الزيادات الكبيرة في أعداد المصابين. والتساؤلات التي تفرض نفسها؛ لماذا كان هذا التوقيت بعيداً للغاية؟ وعندما جرى استبدال عمليات الإغلاق بفرض ارتداء أقنعة حماية الوجه، ما هي الأهداف المرجوة؟ تحت أي ظروف سينتهي فرض ارتداء أقنعة الحماية؟
بحلول مايو (أيار) 2020، مع استمرار الناس في المطالبة بمزيد من المعلومات حول المخاطر النسبية للسيناريوهات والأنشطة المختلفة، وجدت أن معظم البيانات المفيدة جاءت من بلدان أخرى، وليس مراكز السيطرة على الأمراض. ونشرت وسائل الإعلام أهم البيانات حول أعداد حالات الإصابة المحلية والاحتجاز في المستشفيات، ونشرت وسائل إعلام مثل «ذي أتلانتيك» و«نيويورك تايمز» خرائط ورسوماً بيانية سهلة الاستخدام. وبعد أن أصبحت اللقاحات متاحة، ظهرت «بلومبرغ نيوز» بأداة تعقب للقاح.
هذا الأسبوع، تجاذبتُ أطراف الحديث مع باروخ فيشوف، أستاذ الهندسة والسياسة العامة في جامعة كارنيغي ميلون، وأكد أن مراكز السيطرة على الأمراض لم تفعل ما يكفي من مجهود لإمداد الناس بمعلومات مفصلة حول مخاطر فيروس «كوفيد» والتوصيات الواجب اتباعها. بدلاً عن ذلك، حصلنا على عدد كبير للغاية من المراسيم والقرارات دون تفسير كافٍ.
وعليه، يجب أن يتبنى مركز السيطرة على الأمراض، وكذلك المعاهد الوطنية للصحة وإدارة الغذاء والدواء، نفس النهج الذي تتبعه الجامعات والمؤسسات الخاصة في السماح للعلماء العاملين بالحديث إلى الصحافة دون عوائق. أما في ظل الوضع المتبع حالياً، فيتعين على الصحافيين الحصول على موافقة من مكتب الشؤون العامة. الأمر الذي قد يستغرق عدة أيام في كثير من الأحيان. الأمر الذي لا يخدم الجمهور بالتأكيد. وفي الغالب، يفكر الصحافيون في الأسئلة أو التفاصيل التي لم يذكرها الخبراء أو يجدون سبلاً أوضح لشرح الدراسات والبيانات والتغييرات التي تطرأ على السياسات المتبعة. بوجه عام، كلما زادت المساعدة التي يحصل عليها الصحافيون من العلماء، تخرج مقالاتهم الصحافية أفضل.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»