في مثل هذا الوقت من العام الماضي، زرت منطقة «باب الهوى»، وهي آخر معبر على الحدود التركية - السورية يحق للأمم المتحدة من خلاله إدخال مساعدات حيوية إلى شمال غربي سوريا، وعاينت بشكل مباشر مدى أهمية دور الأمم المتحدة في توصيل المساعدات لملايين السوريين على الحدود التركية.
وتعد مسألة الحصول على مساعدات الأمم المتحدة بمثابة شريان الحياة لأكثر من أربعة ملايين شخص يبحثون عن السلامة والملاذ، بعيداً عن نظام الأسد.
والواضح أن الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء سوريا أكبر اليوم من أي وقت مضى. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من أربعة أشخاص من كل خمسة في حاجة إلى مساعدة إنسانية، كما أن ما يزيد على 12 مليون شخص ليس باستطاعتهم ضمان وجود ما يكفي لتناول الطعام، وتسعة من أصل عشرة أشخاص يعيشون تحت خط الفقر.
وعليه، فإننا في حاجة إلى إتاحة وصول المساعدات إلى أعداد أكبر من السوريين، وليس أقل.
جدير بالذكر هنا أن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2585، الذي أقر بالإجماع عام 2021. سمح للأمم المتحدة بتقديم المساعدة من خلال معبر «باب الهوى». وبعد 12 شهراً من بدء تنفيذه، من المقرر أن ينتهي سريان هذا التصريح بحلول 10 يوليو (تموز). وإذا لم يجدد مجلس الأمن التصريح، فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة إنسانية أكبر، ذلك أن أكثر من مليوني شخص سيخسرون على الفور القدرة على الحصول على الضرورات اللازمة للحياة. وستعاني تركيا، التي تستضيف أكثر من ثلاثة ملايين سوري بالفعل، تفاقم الاحتياجات الإنسانية على الجانب الآخر من الحدود.
في الواقع، مسألة اضطلاع الأمم المتحدة بدورها تصبّ في مصلحة الجميع. وتعمل آلية المراقبة القوية للغاية والنشطة على ضمان ألا ينتهي الحال بالسلع التي تسهم في إنقاذ الحياة في أيد خاطئة. ويضمن تحليل الاحتياجات، وإجراء توجيه شفاف للتمويل وشراء الأغذية وغيرها من المنتجات، الالتزام بأعلى المعايير التشغيلية التي تستهدف أولئك الذين في أمس الحاجة إلى الحصول على المساعدات.
وفي إطار القرار الصادر العام الماضي، اتفقنا على أننا في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لتعزيز جهود «التعافي المبكر»: المساعدات التي تعين السوريين على بناء مرونتهم الخاصة ضد صدمات أزمة الحماية القائمة منذ أمد بعيد. وقد اضطلعنا بدورنا في هذا الأمر. وفي عام 2022، سيجري تركيز ربع إجمالي المساعدات المطلوبة البالغة 1.1 مليار دولار أميركي على جهود بناء مرونة اقتصادية وقدرة على الصمود في وجه الأزمات. من جانبها، تلتزم المملكة المتحدة بهذا الأمر، مع إقرارها برنامجاً جديداً ممتداً عبر سنوات عدة لبناء مرونة اقتصادية محلية في جميع أنحاء سوريا.
والآن، ماذا يعني ذلك على أرض الواقع؟
يعني ذلك تقديم الدعم لأشخاص مثل نجوى، وهي امرأة نازحة تبلغ من العمر 44 عاماً في إدلب، كي تتعلم مهارات زراعية جديدة.
تقول نجوى «منذ وفاة زوجي، كنت أبحث عن عمل، والتحقت بأعمال غريبة كي يمكنني كسب لقمة العيش. اليوم، تمكنت من الحصول على الخبرة، وبناء اتصالات وتطوير صداقات. ويبدي صاحب مزرعة الزيتون إعجابه بعملنا، وأخبرنا أن نعاود العمل من أجله بعد انتهاء أزمة وضعنا».
وتبدو العائلات التي جرى تهجيرها وفقدت الكثير، في أمس الحاجة إلى لقمة العيش حتى تتمكن من البدء في إعادة بناء حياتها. ومثلما شرحت نجوى «كنساء سوريات، فإن رغبتنا في بناء حياة أفضل لأطفالنا هي التي تجعلنا مستمرات في الحياة. على الرغم من معاناتنا والعديد من المشكلات، يبقى هدفنا الوحيد توفير حياة لائقة لأطفالنا».
من ناحيتها، ليس لدى المملكة المتحدة أي اعتراض على محاولات تقديم المساعدات من المناطق التي يسيطر عليها النظام، إلا أنه بصراحة لا يمكننا الوثوق بنظام الأسد لتوفير العناصر والخدمات اللازمة لإنقاذ الحياة لأولئك الذين هم في حاجة ملحة إليها، بغض النظر عن هويتهم أو خلفيتهم. الحقيقة البسيطة، أنه ما دام كان هناك عنف وصراع ونزوح، لن يكون في استطاعة دمشق تلبية الاحتياجات الإنسانية التي خلقتها من الأساس في شمال غربي البلاد. وعليه، فإن توفير المساعدات عبر الحدود، عبر تفويض الأمم المتحدة، يبقى الطريقة الآمنة والمستدامة الوحيدة للوصول إلى من يحتاجون بشدة إلى المساعدات. وتستمر المملكة المتحدة في اعتقادها بأنه بسبب الاحتياجات الإنسانية المتزايدة، فإننا في حاجة إلى حل أفضل مما كنا فيه العام الماضي. ومنذ إغلاق المعابر الحدودية الثلاثة الأخرى، أصبح من الصعب للغاية توفير المساعدات التي تسهم في إنقاذ الحياة إلى أجزاء من شمال غربي سوريا. وعليه، نحث أعضاء المجلس على توحيد صفوفهم والاتفاق على هذا القرار الحيوي، هذا الأسبوع.
* المبعوث البريطاني الخاص لسوريا – خاص بـ«الشرق الأوسط»